أبعد من نخلة نسيها مطر الفرات/ فواز قادري
هي بعيدة و”الدير” بعيدة
أنا بكامل وحدتي أتمسكن على الصباح
يدور حولي وحش خرافي عتيد
يغلق منافذ أمل أتنفس من سمائه
الشهداء الذين أهرب بقلبي من عتابهم
الأطفال المقليّون بتوابل من رماد وسخام
الأرجل العالقة تحت ركام البيوت
الروؤس والأيدي والصرخات الأخيرة
النساء الوحيدات اللواتي على هيئة طعنات لا ترد
الشيوخ والعجائز لا يستطيعون أن يتشمّسوا
بما تبقى من أيّام
البيوت التي التهمتْ ساكنيها
بعيدة عني
والدير بعيدة في الحصار
الصديقات مشغولات بأزواجهن وأولادهن وما يفيض من وقت
يضعْنه في حصّالة مثقوبة
الأصدقاء الذين شاخوا باكراً
لا يسألون عن الطفل المتباهي بشيبه
أتشاغل برغبات أخجل منها عادة
قصيدة لها علاقة باليأس تطاردني منذ الصباح
وترشد وحوش الحنين إلى مخابئي
أحاول أن أتحصّن بطفل يرفع إصبعيه في وجه جزّار دميم
على شفتيه ابتسامة تسيل وتغسل ما تبقى من أثر للندم والدم
هي بعيدة وعيناها ينكِّهُ بريقهما الدمع
الدير أبعد من نخلة نسيها مطر الفرات ذات قحط بعيد
أخرى تدور بي الأرض أسرع مّما تدور في قارة
فكرة بعظامها ولحمها تقرع رأسي بعكّاز من حديد
تدّعي البحث معي عن طرق للهرب.
***
اهتديتُ اهتديتُ
البامية “الديريّة” خيرُ وسيلة للدفاع
البامية التي تقطع أنفاس آكلها
ولا تترك له فرصاً للوجع والتفكير
البامية الشبيهة بنشوة عاشقين
خير وسيلة لمواجهة الكآبة
البامية المربْربة كصبيّة مدلّلة
البامية التي ستنجيني من مطاردي الشنيع
أحكّ رأسي حتى يطلع دم الصبر منه
أرتّب تسلسلها في طنجرة على النار:
البامية، اللحمة، عصير البندورة الأحمر الشبيه بدم الأطفال
ملح بنكهة آبار جوفيّة
ملح بطعم بعض الذكريات
الملح الذي تضعه الأخبار كل صباح على الجراح
ثوم وحمض قليل
أرغفة تنور مزوّرة
ملعقتان من صبر وانتظار في كوب ماء على الطاولة
كأس بيرة ودمعتان من بكاء سابق
أرتشف قليلاً قليلاً
وأنتظر حتى تستوي الدنيا.
***
كل شيء كما رتّبتْ أقدار يديّ
أكْل الثريد بأكفّ المدن المحاصرة
سأنتقم من هذا الحزن الراكض خلفي
سأنتقم من جوع البلاد الغاشم
جوع ينشّف عروق النساء والأولاد
سأنتقم من الحنين والمسافات والرحيل
لكن، أين أنفاسكِ؟
وأين طعم يديكِ؟
وأين نكهة الفرات؟
*شاعر من سورية
ضفة ثالثة