أبو فاس/ عبد السلام حلوم
في حلب، في المدينة، وأنت تدخل من طرف السويقة
يدلّك إلى سوق العطّارين، نداء شجيّ كما كلّ أصوات العميان :”أبو فاس ”
يقف في الزاوية كعمود آبد
يربط إلى عنقه رفّاً من خشب معتّق
يرتّب قنانيه الصغيرة منسّقة كما الخواتم في جام الصيّاغ
وبمهارة ساعاتيّ يناولك ماتريد
للّين في مفاصل المسنّين
للوجع الواخز في رسغ العاملات في قطب الخرز
وتعشيق الحرير بالقصب على مناديل العذارى
لتكبير النهد
لتغليظ الشفاه
لدرّ الحليب في صدور المرضعات الفقيرات
لعودة الشيخ إلى صباه
للشقيقة في رؤوس المخطوبات غصباً إلى أبناء العمومة
وللخائبات النصيحة: أن لاعلاقة للعشب بإنجاب العاقر وتطويل القامات
وعكس ما في الشّام يدلّ التائهين
الفلّاحين إلى الجهات
البنات إلى تعداد المفارق عن سوق الذهب
الأصوات التي هدّجها الكرش إذا وضعت في ظهرها بيّاع العجّة
الواجدين ولداً ضائعاً إلى أقصر طريق للجامع الكبير
والمازحين بدم غليظ بمكر مقصود إلى تحت ساعة باب الفرج،
يعرف الجيل الخامس من أصحاب الدكاكين
وأيّهم أولاد الجديدات من الضرائر
يعرفهم جميعاً
الكريم ابن الأطايب
ساتر الحال في بيوت اليتامى
السّمح إذا باع
صائن سمعة الحلبيّ في المسواق
وكذلك يعرف
سريرة المازح المنكّت من الزنّار وتحت
ويعرِف
الفاركُ إبهامه على السبّابّة كلما سألوه عن صفقة أو زواج
المغيّر صبغة الشعر
الرابح في القمار
المهموم
التارك حجّته على حدود الأردن
اللمّاز
الغمّاز
المحتال على الزكاة
المزواج
المغتسل للتوّ
القابل على مضض أن يستفتح الجار بعده
المصلّي بلا وضوء
المنافق في لحية أو مسبحة.
لايعرفون كيف جاء
هل كافأ شهبندر التجّار أباه الحلّاق
لاكتشافه لقاحاً ضدّ الجدريّ
فشفا ابنه فأعطاه لقمة عيشه من تزاحم الأقدام؟
أم لأنه كما تشتمه المكيّسة في حمّام النساء:
“إجير المباحس، قوّاد الظاظات، شيّال إبريق الوضوء لزوجة الفايظجي”؟
أم عيّنته الأوقاف دليلاً في الظاهر
وجهه المندار دائماً إلى القبلة
وبأذنه المرهفة قادر أن يميّز بين الناصريّة والشيوعيّة
في الأفكار الواصلة من وراء السور.
لا أحد يعرف
ما إذا كان قد مات
أونزح، جنوباً، إلى كروم الفستق
أو لجأ إلى عنتاب
لكنّه في آخر فيديو مسرّب
يُشَاهَدُ دربٌ متقطّعٌ من قناني “أبو فاس” فوق بلاط مقفّع
وآخر حنجور كان على حافّة خندق القلعة
عالقاً بمسمارين من رباط البسطة،
رأسه بلا سدادة
وفي قعره المكسور نقطة بنّية تلمع في الشمس.
* شاعر من سورية
ضفة ثالثة