أدب المقاومة في سورية
ترجمة سعيـد بوخليـط: يعرف عن الأنظمة الديكتاتورية، أنها ناقدة أدبية بامتياز: لذلك تجد طريقها بسرعة، جهة المؤلفين الجيدين والكتابات المهمة…، قبل ولوجهما رفوف المكتبات. في سورية، تمس الرقابة المسودات، وتتقدم على كل إصدار. لجنة للقراءة، مكلفة باستبعاد كل ما يمكن أن يزعج. لكن، مع اشتعال ثورة هذا الربيع، قرر الكتّاب بدورهم الصعود إلى الجبهة.
يوم الاثنين 12 تشرين الاول/أكتوبر، نظمت أمسية، تدخل في اطار ‘سورية نحو الحرية’ بالمسرح الأوروبي، استمع الجمهور أثناءها لقراءات نصوص من الأدب السوري. لقاء، جاء بعد نداء دمشق ‘نحن، كتّاب سورية’، الموقع من طرف مئتي كاتب، ينتمون لمختلف بقاع العالم، أمثال ‘بول أوستر’، ‘راسل بانكس’، ‘إلفريد جيلينيك’. ممثل المجموعة في فرنسا، هو ‘فاروق مردم بيك”، المشرف على السلسلة الجميلة المتعلقة بالأدب العربي ‘سندباد’. هذا الناشر، الذي كان قبل ذلك مهنة كُتبياً، ولد بدمشق، لكنه غادر وطنه سنوات 1980.
تتميز وضعية الكُتاب داخل سورية، بالبساطة نسبيا: إما الانتماء إلى حلقة مغلقة، تسمى ‘اتحاد الكتاب السوريين’، وهي جمعية تديرها السلطة…، أو يتم تصنيفك باعتبارك، ‘خائنا لسورية’. الروائيون المعارضون، يعتقلون ويحاكمون، في حالة عدم تخويفهم وتعنيفهم، كما حدث مع فنان الكاريكاتير ‘علي فرزات’. أواخر شهر آب/أغسطس، تعرض الرسام الصحافي الذي يحظى بسمعة في العالم العربي، إلى الاختطاف والمعاملة الوحشية، ثم تكسير أصابعه بهدف منعه من العودة ثانية إلى ممارسة مهنته. يقول كاتب، رفض ذكر اسمه: ‘فيما سبق، كان بوسعنا، على أية حال، السخرية من اعوجاجات المجتمع السوري، وممارسة شيء من الدعابة. لم يكن، إلا خطا واحد، يمنع تجاوزه، إنه المساس بالرئيس الأسد أو عائلته. أما اليوم، فكل تهكم، يعتبر اتهاما خطيرا’. لقد أدى علي فرزات، ثمنا من هذا القبيل: احد آخر رسومه، يظهر بشار، بصدد حزم حقائبه إلى جانب القذافي.
البعض الثاني، ولكي يسمع صوته، سيلتجئ إلى الوسائل التكنولوجية الجديدة. هكذا، أنشأت الروائية وكاتبة السيناريو، ‘سمر يزبك’، مدونة متداولة بقوة، زاخرة بالمعطيات ومصاغة بطريقة جيدة جدا. المدونة، كانت قد أثارت الانتباه بشكل كبير، لذلك ستصدر ورقيا سنة 2012 عن منشورات ‘ Buchet Chastel ‘، تحت عنوان: جريدة الثورة. قرأت ‘سمر’ مقطعا منها، خلال أمسية المسرح الأوروبي، فأعطت فكرة دقيقة، عن ما يمكن لمثقف أن يكابده. نصها ‘في انتظار الموت’، جسد حالة الجزع، التي ألمت بها مع الأحداث الدموية. شعور، لم يكن ليرضي النظام: ‘خشينا على حياتها، فطلبت اللجوء السياسي’ ، يحكي أحد أصدقائها، ‘لأني صحافية وكاتبة، تسكنني رؤية بخصوص مستقبل سورية، فبعد الاكتفاء بمجرد ملاحظة حركة الانتفاضة خلال الشهرين الأولين. قررت أن أتكلم وأكتب، وأدعم المتظاهرين من أجل الحرية، الذين يعيشون عنفا مرعبا. أردت أن أبلغ عن كل الاعتداءات على حقوق الإنسان التي ارتكبت في سورية’، تؤكد ليومية ‘الشرق اليوم’، جريدة لبنانية ناطقة بالفرنسية.
من جهته، تمكن مصطفى خليفة، من الفرار إلى الإمارات العربية المتحدة، بعد صدور عمله ‘ la coquille ‘ ‘القوقعة’ (منشورات Actes Sud)، حيث يوقع الكاتب اتهاما، ضد النظام السوري، ويروي فترة سجنه لمدة ثلاث عشرة سنة، حينما اتهم، بالانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين، بينما هو في الأصل مسيحي!
حقيقة، ثورة الكتّاب هاته، ليست وليدة الظرفية، لكنها تجلت مع الوقائع الحالية، فقبل انطلاق شرارة ما يسمى بالربيع العربي، استحضرت رواية، كل ما يقع اليوم، تقريبا، عنوانها ؟ ‘مديح الكراهية’ ‘ ‘loge de la Haine ‘، لصاحبها ‘خالد خليفة’ (صدرت شهر ايار/مايو، عن ‘ Actes Sud ‘). تسرد مصير فتاة سورية مسلمة، تحس بالاختناق في حياتها، وتلتمس الحرية، مما جعلها تسقط في أيادي مناضلين إسلاميين، وقائع يفترض بأنها تؤرخ لسنوات 1980.
إذن، سمر يزبك، مصطفى خليفة، خالد خليفة، وآخرون قبلهم، مثل الشاعر الكبير أدونيس، تعتبر رموز أدب، يريد بدوره أن يشارك في الثورة.
II ـ ‘لا وجود للحرية في مملكة الخوف’: حوار مع ‘فاروق مردم بيك’، صاحب سلسلة ‘سندباد’.
ولد بدمشق. يحيط جيدا، بوضعية أدباء سورية. يعتقد، بأن مجموعة من الكتّاب الشباب، بصدد الإتيان بنفس مغاير، تؤججه الثورة.
*لقد أظهرت الثورة السورية، انعدام الحرية، لكن الأمر ليس جديدا؟
*نعم، يعود الوضع إلى نصف قرن تقريبا، منذ انقلاب 1963، حُرم البلد من كل الحريات. كانت الوضعية، شبيهة من بعض النواحي، مع جمهوريات الموز، وكذا منظومة أوروبا الشرقية سابقا. ومثل ما حدث إبان الثورة الثقافية الصينية، تعرض الكثير من المثقفين وأصحاب المهن الحرة، للقمع من طرف النظام. آلاف الأشخاص اعتقلوا طيلة سنوات عديدة دون محاكمة، لذلك فإن مناضلا عتيدا اسمه ‘رياض ترك’، لم يبالغ عندما وصف سورية بمملكة الخوف.
*بالنسبة لأصحاب القلم، كيف يتم الأمر؟
*تتحكم السلطة في اتحاد الكتاب السوريين، والرقابة تستبق كل إصدار بحيث ينبغي لها أن تتطلع على المسودة قبل تداولها. بمعنى ثان، إذا لم تتمكن من نشر عملك في بلد مجاور، لاسيما لبنان، فلا حظّ لك، كي تقرأ حتى سرّا، كما في البلدان التي تمارس الرقابة بعد الإصدار.
*لماذا داخل فرنسا، يعرف الأدب السوري بشكل أقل، مقارنة مثلا مع نظيره المغربي والمصري أو اللبناني؟
*لأنه أكثر اختناقا مقارنة مع مناطق أخرى. أيضا الأدب السوري أقل ذيوعا في مكتبات العالم العربي، قياسا بالأدب المصري، واللبناني. وإلى غاية العشرين أو الثلاثين سنة الأخيرة، ظل الشعر متقدما على الرواية. عندما، يترجم عمل في الخارج مثل ‘القوقعة’ لمصطفى خليفية، وبسبب منحاه السياسي والاجتماعي، فقد تمت مقاربته غالبا من خلال الصحافة السياسية، وليس الملاحق الأدبية. والحال أنه نص انطوى على قيمة أدبية، حتى لو تعلق الأمر بشهادة حول السجون.
*في المقابل، يحظى الأدب السوري، على مستوى العالم العربي، بتقدير ممتاز؟
*نعم، يتمتع شعراء سورية بشهرة كبيرة داخل العالم العربي، أكتفي بالإشارة إلى أدونيس، أو أيضا محمد الماغوط، صاحب الكتاب الرائع ‘الفرح ليس مهنتي’، ترجم إلى الفرنسية منذ سنوات، عن مؤسسة ‘ la diff’rence ‘، كلاهما ينتمي لحركة ‘شعر’، التي ظهرت في بيروت سنة 1957 وبصمت تاريخ تجديد القصيدة العربية. أما الرواية، فأخذت تفرض نفسها في فرنسا وخاصة إيطاليا، لما بدأت تهتم بها دور النشر شيئا فشيئا. لذا، ينبغي وضع سياسة للمؤلف، بطريقة تمنح إمكانية قراءة الكتاب الصادر لنفس المؤلف، طيلة سنتين أو ثلاث سنوات. فمن النادر جدا، أن تخلق ترجمة أولى جمهورها.
*كيف تقيمون الأدب السوري؟
*يعتبر بشكل عام، أدب مقاومة. لكن، ومثل كل العالم العربي، نعاني اقتحاما للفرد في واقعه وخياله، والكتّاب سواء كانوا من الرجال أو النساء، تجرأوا على تحدي التابوهات الدينية والجنسية. أنا متيقن بأن الثورة الجارية ستكون لها نتائج جد إيجابية على المستوى الأدبي. كما أن السوريين أنفسهم، لم يتخيلوا إلى أي حد، درجة تعطشهم للحرية.
القدس العربي