أدونيس: التظاهرات تمرّد لا ثورة
حلّ أدونيس ضيفاً على الإعلامي أحمد علي الزين ضمن برنامج «روافد»، وبدا من خلال الحلقة موارباً قلقاً متوجساً مفسراً، طرح أسئلة أكثر مما أعلن مواقف حول ما يجري في العالم العربي، وفسَّر الأمور كعادته، فلم يرضِ الكثيرين ولم يزعج الكثيرين.
انطلق أدونيس في حديثه عن ماهية تسمية الأحداث في المنطقة العربية راهناً، فقال: «أميل الى تسميتها بحركة تمرد شبابية في وضع تمرّدي وهذا التمرّد ليس نظرياً فحسب وإنما هو جسدي أيضاً، تمرّد نظري وعملي في آن وأهم شيء فيه كما يبدو لي أنه لا نموذج له لا في الغرب ولا الشرق والظاهرة الأكثر بروزاً هي حضور المرأة في تونس ومصر. هذا أمر مهم جداً وجديد في الحياة العربية».
حول رأيه في ما إذا كان مصطلح «تمرد» يفضي الى تأطير حركة المتظاهرين الشبابية، قال أدونيس: «هو تمرد بمعنى حركة تلقائية مفاجئة ليس لها إطار نظري مسبق، لو سميتها ثورة فهي تستدعي نظرية مسبقة والتحولات تستدعي الظروف الموضوعية وأظن لا نستطيع أن ندرج ما حدث لا في التحولات ولا في الثورات، إذاً هي حركة تلقائية مفاجئة وغير متوقّعة، وأفضّل تسميتها حركة تمرد».
كأن أدونيس بذلك يظهر تفضيله منطق الثورة القديم الذي يعتمد على الكتب والنظريات الثورية التابعة للزعيم الشيوعي لينين أو لمنظّر البعث ميشال عفلق أو منظّر القومية السورية أنطون سعادة. يبدو أدونيس من خلال كلامه كأنه غير مواكب للتحولات العالمية والميديا، غير عارف
أن ثمة عوامل أفضت الى تبدلات في المفاهيم الفلسفية والتغيرية كافة، ولم يعد مجدياً الحديث عن أسس نظرية من هنا وهناك، أو الحديث عن زعيم للثورة أو مرجعية نظرية، فالجمهور في العالم العربي يريد حقوقه أولاً وأخيراً.
لم يُخفِ أدونيس أنه فوجئ بما يحدث على الساحة العربية معبراً عن سعادته بالقول: «أنا سعيد لأنني فوجئت، فقد كنت في السابق أكثر ميلاً إلى التشاؤم لأنني لم أكن أنتظر هذا إطلاقاً، وأنا سعيد لأن التاريخ كذب الموقف حتى ولو كان يخصني أنا شخصياً». وهو كان قال في محاضرة ألقاها في كردستان «إن العرب كحضارة في طريقهم الى الانقراض».
اختبار للنظام
واعتبر أدونيس في مقابلته أن «ما يحدث في سورية هو اختبار للنظام القائم أكثر مما هو اختبار للناس والشعب والمثقفين، اختبار للدولة ولبنيتها ولرؤيتها الثقافية والسياسية والإنسانية هل هي في مستوى أن تتغير أم لا؟».
وبخصوص المخاوف من وقوع حرب أهلية في سورية يكون العلويون فيها ضحية لردة فعل مبنيّة على إرث قديم يتمثّل بحادثة حماة وغيرها، صرَّح أدونيس: يجب أن نصحّح ما هو شائع. قد يكون بعض القادة المتنفذين في سورية من الطائفة العلوية، لكن هذا لا يعني إطلاقاً أن النظام طائفي، والدليل أن الطائفة العلوية كطائفة هي طائفة مظلومة ومضطهدة، لا ككل وإنما كأفراد، معظم الأفراد الذين ناهضوا الديكتاتورية وطالبوا بالحريات كانوا من الطائفة العلوية. والخوف من الآخر- الآخرين، الذين يريدون أن يعقّدوا الأمور ويوجّهوها باتجاه حرب طائفية أهلية من أن يخترعوا مختلف الأساليب لإحداث مناخ يؤدي إلى مثل هذه الفتنة».
وحول مبرر خوفه من أن تنتج هذه الثورات بديلاً يستثمره المؤدلج الديني، عبَّر أدونيس عن رأيه قائلاً: «هذا خوف مبني على شيئين، الشيء الأول هو إدخال العنف في مسألة المعارضة وأنا من القائلين حتى إذا كان النظام عنيفاً لا يجوز أن تكون المعارضة عنيفة لأنها في الأخير تتكلم بلغته وتصبح جزءاً منه، هذا أولاً. ثانياً، خطاب المعارضة حتى الآن لا يشير أبداً الى ما يعيق بناء المجتمع المدني وهو التدخل الديني في السياسي، لا يشير أبداً الى وجوب فصل الدين عن الدولة، إذاً مشكلة المثقف ومشكلة المعارضة لا يجوز أن تكون محصورة في مجرد تغيير النظام، بل يجب أن تذهب الى أبعد وأن تغير بنية المجتمع ومؤسساته تغيراً كاملاً. مثلاً، لا أستطيع أن أقبل إطلاقاً أن أنضم الى تظاهرة سياسية تخرج من الجامع، لكن لا أستطيع في المقابل أن أقبل أن تقابل هذه التظاهرة بالعنف والقتل، هذا مأزق».
تظاهرات الجمعة
عند سؤاله عن مغزى انطلاق التظاهرات يوم الجمعة ومن المساجد تحديداً، أجاب أدونيس: «هذه من أخطاء المعارضة. لا يجوز لمعارضة حقيقية تريد بناء مجتمع جديد بقيم جديدة إلا أن تخرج من الساحات العامة، مضيفاً أن الكثرة الساحقة تخرج من المسجد باسم مطالب سياسية. ومتسائلاً: {لماذا نخرج من الجامع لماذا لا نخرج من الكنيسة، لماذا لا نأتي الى الساحات العامة ونخرج من ساحة البلد؟، الساحة رمز مشترك للشعب، لكن الجامع رمز خاص».
أضاف أدونيس: «الخروج من الجامع لا يمكن أن يُفهم إلا بالمعنى السياسي، وهذا المعنى السياسي لا يمكن أن يُفهم الا بالمعنى الديني. يجب أن نخرج بالمعنى المدني الكامل، كشعب كامل، مثل ميدان التحرير في مصر. مصر نموذج رائع وتونس أيضاً».
في ما يتعلق بدور المثقف العربي في ظل الظروف الراهنة، قال أدونيس: «يجب دعم هذا التمرّد لأن هذه ظاهرة تاريخية – حتى لو خرج من المسجد- ويجب التعاون معه، لكن ضمن الحدود التي أشرت إليها وضمن السياق الجديد الذي يجب أن يؤسس له، يجب الخروج من السياق التقليدي القديم الذي ساد البلاد العربية منذ 15 قرناً».