صفحات الثقافة

أدونيس في افتتاح مهرجان غرناطة الشعري: الشعراء اكثر تأثيرا من الروائيين في وجدان العالم!


غرناطة ـ من محمّد محمّد الخطّابي: قبيل إفتتاح الدورة التاسعة للمهرجان الدولي للشّعر لمدينة غرناطة يوم الثلاثاء 8 ايار/ مايو المنصرم، بالمسرح البلدي (إيسابيل لا كاتوليكا)، وفي دردشة وديّة خاصّة بين الشاعر علي أحمد سعيد (أدونيس) وكاتب هذه السطور، وجّه الشاعر بهذه المناسبة تحيّة لجريدة ‘القدس العربي’ ولقرّائها قال فيها بالحرف الواحد: (‘القدس العربي’ صحيفة أداوم على قراءتها بانتظام، وهي الجريدة التي ينبغي أن تقرأ ،هي شهادة عربية على مستوى عالمي في التوكيد على الحقيقة، وعلى صدق التعبير في نقل هذه الحقيقة، وعلى النضال من أجل الحقيقة).

وبعد أن ألقى عمدة مدينة غرناطة’ خوسيه تورّيس أورتادو’ كلمة بهذه المناسبة حيّا فيها المنظمين لهذه التظاهرة الثقافية الكبرى، والمسهمين فيها، رحّب بالشاعر أدونيس وقال إنّه من أكبر الشعراء في العالم العربي، وبحضوره في هذا المهرجان تتحوّل غرناطة الى عاصمة للشعر العالمي، كما أن هذا الحضور يدعم الترشيح الذي قدّم لليونسكو مؤخرا لتصبح غرناطة عاصمة للشعر .

واستهلّ أدونيس حديثه باللغة الفرنسية قائلا: ‘كان بودّي أن أتحدّث باللغة العربية، لأنّ العربية أعطت الكثير للّغة الإسبانية، كما أنّ الشعراء العرب تعلّموا كثيرا من الأندلس التي نحبّها كثيرا، وبعد أن شكر عمدة المدينة وكل الجهات المنظمة والداعمة لهذا المهرجان، ألقت عليه الشاعرة الإسبانية راكيل لانسيروس بعض الأسئلة حول مختلف المجالات التي لها صلة بالشعر والإبداع، وكذا بمشاغل واهتمامات حياتنا المعاصرة في العالم العربي بوجه خاص، ويمكن إيجاز مداخلة الشاعر أدونيس خلال هذا الإفتتاح كما يلي :

القصيدة أسمى مراتب الإبداع

وجّه في مستهلّ كلامه تحيّة حرّى إلى جميع الشعراء الذين أشرفوا على تنظيم هذا المهرجان، كما حيّا جميع الشعراء في إسبانيا والعالم. ثمّ قال: لا السياسة، ولا التجارة تعبّران عن هويّة شعب، الذي يعبّر تعبيرا حقيقيا عن هويّة شعب هو الخلق والإبداع، والقصيدة هي أسمى وسائل التعبير في مختلف الميادين، وهي أعلى مراتب الإبداع،. هنك أناس يكتفون بالنظر الى العالم، وهناك أناس آخرون وهم الشعراء يذهبون الى أبعد من ذلك، أنهم يحاولون الدخول في عقول القرّاء، ويعملون على تحويل العالم الى مكان أكثر أمنا وشاعرية. وينبغي على الشاعر أن يكون شاهدا على ما هو حقيقي أو مخادع، ومن ثم يأتي اهتمامه بالكائن البشري، ويرى أن الشعر يتخطّى الكلمات ، وهو ضرب من ضروب الوجود، ان دور الشاعر هو الكفاح الدائم ودعم الثورات الحقيقية. وقال إنّه لم يسهم بمفرده في تطوير الشعرالعربي-كما ذهبت رفيقته في المنصّة الشاعرة الإسبانية راكيل لانسيروس- بل كان هناك شعراء كبار كثيرون تعلّم منهم، لقد رافقه شعراء آخرون قبله وبعده الذين أسهموا جميعا في تطوير الشعر العربي الحديث. وقال ان الشعر بالنسبة له هو الحبّ، وهو أبعد من الكلمات والتعبير، وقال أدونيس: إنّه يكتب ليعيش أحسن، وليتفاهم أكثر ويفهم الآخرين والعالم الذي نعيش فيه، وهو لا يستطيع العيش بدون شعر، والخلق أو الإبداع عنده هوالتعبيرعن مختلف ميادين الادب والشعر والتشكيل والموسيقى، الإبداع هو التغيير وإعطاء صورة جديدة للعالم، هو إعطاء صورة جديدة للكلمات، وقال ينبغي لنا تغيير العلاقات بين العالم وبين النصّ والشعراء والإبداع في جميع الميادين، القصيدة ليست إنتاجا، التصنيع هو انتاج، والإبداع هو الشعر، والشعر رحلة جوّانية للبحث عن صورة أكثر إنسانية للعالم الذي يحيط بنا.

أدونيس والغرب

وقال أدونيس إنه هاجر عام 1956 من بلده سورية وهو يقيم في فرنسا منذ أوائل الثمانينات، وهو ضد الأيديولوجيات التي تستأثر بالسلطة، ولا تهتمّ بتغيير المجتمع، والسلطة الحقيقية هي التي تغيّر المجتمع ومؤسّساته لتصبح أكثر عدالة وأكثر حريّة،وتحدّث عن فصل الدين والدولة ،وأشار أنّ الإسلام عقيدة وثقافة، ولا ينبغي أن يستعمل لاهداف سياسية، وقال إنّه يتفهّم الحركات التي عرفها العالم العربي، وأن الشباب العربي قام بحركة رائعة وعلى الرغم من العراقيل فإن هذا الشباب سيستمر في هذه الثورة. وقال ينبغي على الشعراء والكتاب أن يقفوا إلى جانب المقهورين، وقال إنه ضد التدخل الأجنبي والامريكي على وجه الخصوص وانّ هذا التدخل لا يمكن ان يفضي سوى الى العنف، وضرب مثالا بالأوضاع المعاشة حاليا في العراق وليبيا وتونس، وقال انه ينبغي لنا ان ننتظر حتى نرى ما ستؤول إليه الاوضاع في مصر وفي العالم العربي، وقال إن الغرب يتظاهر انه يدافع عن حقوق الانسان، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي ان يبدأ بسورية ،وقال ان الشعب الفلسطيني الذي طرد من أرضه منذ خمسين عاما لا يقول الغرب ولا يفعل شيئا للدفاع عن الحقوق المهضومة لهذا الشعب. وان الغرب لا يدافع عن حقوق الإنسان بقدر ما يدافع عن مصالحه الاستراتيجية وعن البترول والغاز والطاقة، ودافع ادونيس عن حرية المرأة ،وقال لا يمكن ان يكون هناك مجتمع حر بدون حرية المرأة. وتحدّث ادونيس عن الإنتخابات الفرنسية الأخيرة، فقال أمام الملأ انّه صوّت لصالح فرانسوا هولاند.

وهكذا تحوّلت جلسة هذا الافتتاح الى ندوة كان نصيب السياسة فيها أكبر وأوفر من الشعر.

عاد بعد ذلك أدونيس الى الشعر موضوع هذا المهرجان، واستطرد قائلا:انه يشعر بشرف كبير لحضوره ومشاركته في هذا المهرجان، وقال ان الشعر تقليد مشترك بيننا، وهو يشعر ان فيديريكو غارسيا لوركا والشعراء الاسبان هم عرب، مثلما يشعر هو بأنه شاعر إسباني، وقال ان الشعر يمحي ويزيل الحدود بيننا واستشهد أدونيس بـ ‘التوحيدي’ الذي كان يقول الصديق هو الآخر، وهذا الآخر هو أنت نفسك، وهكذا يغدو الآخر عنصرا مكوّنا أو مؤسّسا للأنا.والشعر هو الذي يلقّننا ذلك ويقودنا إليه.

ثم بعد ذلك القى أدونيس مختارات من شعره باللغة العربية منها قصائد: ‘الوطن’ و’الوصيّة الجديدة’، و’الموت’ وسواها من القصائد الاخرى، والقصيدة الاخيرة التي ألقاها في هذا الملتقى الشعري أهداها لفيديريكو غارسيا لوركا.

كما قدّمت الشاعرة الاسبانية راكيل لانسيروس مختارات من قصائد أدونيس المترجمة الى اللغة الإسبانية. وقد تتبّع هذه الأمسية الشعرية والسياسية عدد غفير من المثقفين الإسبان والطلبة والجمهور من عشاق الشعر العربي.

الرواية والشعر

ويرى أدونيس أن الروائيين ليس لهم أيّ تأثير كبير في المجتمع المعاصر، حتى وان كان لهم قرّاء أكثر مما لدى الشعراء، فإن الروائيين يمرّون في عقل ايّ إنسان بطريقة أفقيّة وسطحيّة وهم يؤثّرون في القرّاء المستهلكين، أما الشعراء فيؤثرون في القرّاء المبدعين، فسرد العالم يعني نسخه، وإذا كنا ما نقوم به هو استنساخ الحياة فإننا لا نقوم بأي شيء حقيقي، فالفنّ والإبداع ينبغي لهما خلق طاقة منتجة، والشعر يتميّز برؤيا خاصة وشاعرية للعالم.

وخلال لقاء آخر له مع ثلّة من المثقفين والقراء في متحف بيكاسو بمدينة ملقة عندما سئل عن دور الشعر في المجتمع المعاصر قال: ‘الآن يبدو أنه لم يعد للفلاسفة والعلماء ما يقولونه، ولكن الشعراء نعم’. ويرى كذلك أنّ الشعر لا ينطوي على جانب علمي، ولهذا فقد لا يكون في مقدوره تغيير العالم إلاّ انه يمكنه تغيير رؤية الانسان حيال العالم، ونوعية علاقاته مع الآخرين.

وقال خلال هذا اللقاء كذلك ان علاقته بالشعر هي أكثر غنى وثراء الآن ممّا كانت عليه عندما بدأ ينظم الشعر، وطالب أدونيس بمزيد من الحوار والتفاهم المتبادل، وقال إنّ لديه الثقة الكاملة في الطاقات البشرية المتوفّرة في حوض المتوسط شريطة ألا نظل حبيسي التجارة والعسكرة، وقال يبدو للناس أنّ هناك ثقافة متوسطية واحدة، ولكن هذا ليس صحيحا، فالمتوسط يقدّم لنا ثراء وتنوّعا رائعين، ولهذا ينبغي لنا ان نهتدي لإيجاد طريق التفاهم والحوار’.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى