أدونيس وثقافة القتل
ياسين السويحة
في مقالٍ جديد، ليس إﻻ استمراراً لدوّامة اللف والدوران التي ﻻزمت آراءه فيما يخص اﻻنتفاضات العربيّة ككل، واﻻنتفاضة السوريّة بشكل خاص، يطرح أدونيس، مرّة أخرى، مقاربته المعتمدة على تعميمات تسطيحية وثقافويّة، والتي تنتهي إلى اﻻستنتاج بأن الاستبداد القائم ومعارضيه هم على نفس الدرجة من السوء، بل أن معارضي اﻻستبداد (هكذا، بالتعميم، حتى لو حاول،لفظياً، تحييد “الشباب الثوري النقي” على طريقة المجلس العسكري المصري حين يخترع هكذا تمييزات ليحاكم ويسجن “البلطجيّة” أمثال الزميلة أسماء محفوظ) يفوقونه سوءاً لأنهم متدينون ومتعصبون وخطابهم السياسي قائم على الحنين إلى “ماضٍ هو، في العمق، ضد الحاضر والمستقبل، وضد العقلنة، وضد التنوّع، وحق الإنسان في اختياراته ومعتقداته”.
بالمناسبة، هل يخص هذا الكلام ممالك الخليج أيضاً؟ تلك التي للشاعر الكبير حضورٌ في مهرجاناتها ووسائل إعلامها وجوائزها؟ هل لهذا الحضور علاقة بأنه، في مقاله، عدّد دول “الربيع العربي” مستثنياً منها البحرين؟ بالمناسبة، أيضاً، متى تبنّى أدونيس خطاب “الممانعة” في ربط المعارضات “الخارجية” للأنظمة الاستبداديّة بغربٍ شيطاني هو مصدر كلّ شرور الدنيا؟ لنتذكّر قول شاعرنا، ذات مقابلةٍ مع تلفزيون “نفطي” التمويل وتابع لدولة لا تلمع سمعتها بالحقوق والحرّيات، للمفارقة، أن الإيجابيات في تاريخ العرب في آخر قرن ونيّف كانت كلّها بتأثير من الحضارة الغربيّة “اﻻستعماريّة”، وأننا، دون هذه الإيجابيات الغربيّة المصدر، لم نكن لنمتلك إﻻ جامعاً وكنيسة ودكاناً.
غير أن مشكلة أدونيس مع الحركات الإسلاميّة السياسيّة ليست قصد هذا النص، بل فكرة وردت في مقالته حول “ثقافة القتل”، حيث يقول أدونيس أن هذه الثقافة ظاهرة “قديمة، عامّة” عند العرب، ولها “جذور وتجليات في الشعب ذاته”، ظاهرة “مرتبطة عضوياً بالصراع الديني- السياسي في التاريخ العربي”. كالعادة، إهمال كامل للعلوم الاجتماعيّة ولأسس السياسة واﻻقتصاد في تحليل الظواهر. العرب عنيفون ﻷن العنف عضويّ في ثقافتهم ووجدانهم، دينياً وسياسياً. بالتالي، كي يصبح العرب “بشراً” (حسب التعريف الأدونيسي للبشريّة الحداثيّة) يجب أن ينسلخوا عن كونهم عرباً. أن يصبحوا، ﻻ أدري، أوروبيين؟!
العنف سمة بشريّة، تطفو على السطح في الأزمات، وكلّما زاد تعقيد وعمق الأزمات زاد تجذّر العنف في أسلوب التعامل البشري مع من يعتبرون أنهم أسباب هذه الأزمة. ألمانيا، رائدة الحداثة والديمقراطية (والعلمانيّة؟) اليوم، هي ذاتها التي، عندما هُزمت ودُمّرت وتمزّق اقتصادها وتشرذم مجتمعها، أتت بالنازيّة، أكثر الإيديولوجيات السياسيّة دموية وتدميراً وكراهية في تاريخ البشريّة جمعاء. وأتت هذه النازيّة إلى أوروبا كمسك ختام لمشهد دموي أوروبي اعتيادي استنزف، بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، عشرات الملايين من القتلى في حروب داخل أوروبا نفسها وبين أوروبيين فقط، دون أن نأخذ أعداد ضحايا الاستعمار الأوروبي خارجها. لم تتوقف دوامة العنف في أوروبا لأن ثمة “أدونيسيّين” من كلّ دولة جلسوا واتفقوا، بل كان لاستنباط مشهد اقتصادي منسجم (بتأثير كبير من مشروع مارشال الأمريكي) الدور الأكبر في تحقيق استقرار اجتماعي وسياسي ساهم في قفزة ثقافيّة انتكست في غير مرّة، وتعاني اليوم، بعد سبعة وستين عاماً من نهاية الحرب العالميّة الثانية، تحدياً كبيراً، في سياق أزمة اقتصاديّة ليست إﻻ مزحة خفيفة بجانب الواقع السياسي واﻻقتصادي الذي يعيشه العرب، نتيجة ظهور أشكال مقلقة من الفاشيّة الجديدة ﻻ تخصّ العنف ضد الأجانب فقط، وانما أيضاً ضد أبناء البلد من إيديولوجيات أخرى. مجزرة النرويج، الصيف الماضي، مثالاً.
هاتوا الشعب السويدي إلى واقع أي شعبٍ عربيّ واتركوه عقداً أو اثنين وانظروا إن كان سينحو نحو العنف أم ﻻ. بالمقابل، خذوا أي شعبٍ عربي إلى واقع الشعب السويدي وكرروا التجربة نفسها.
ليس التقليل من أهميّة مشاكل ومصائب الواقع العربي هو قصد هذا الكلام، بل أنه مطالبة بالكف عن استخدام أسلوب الجلد الساديّ المتواصل، ذو النفحة العنصريّة التحقيريّة، ضد العرب بكونهم عرب، والامتناع عن تحليل المشاكل التي يعانونها بموضوعية ومنهجيّة علميّة نزيهة واﻻكتفاء بتعميمات وأحكام ثقافويّة مجحفة في ظلمها. إنه، أيضاً، مطالبة بالعدل في مقاربة اﻻستبداد السياسي بوصفه أحد صنّاع هذا الواقع المزري وأبرز المستفيدين منه وليس بتصويره نتيجةً طبيعيّة لهذا الواقع، المنتج ثقافياً، وضحيّة له!
ربما حقّ لنا أن نسأل أدونيس، المقيم في فرنسا، بلاد أميل زوﻻ، عمّن هو “دريفوس السوري” اليوم. بالنظر إلى طروحات والد “مهيار الدمشقي” علينا أن نتوقّع أن يجيبنا أن هذا الدريفوس السوري ليس إﻻ بشار الجعفري.
..
http://www.syriangavroche.com/
أدونيس لا يكتب من أجل الثورة بل من أجل نفسه لآن موقفه مما يجري في سوريا لا يزال حيادياً رغم مرور عام على إنتفاضة الكرامة للشعب السوري ضد نظام البشاعة واللاإنسانية في دمشق.
موقف أدونيس (الرافض بليونة) للنظام (وبخشونة) للحراك الشعبي لأن بعضه ينطلق من المساجد وبعض نداآته (الله أكبر). يا سيد آدونيس حتى مسيحيي بلادنا يقولون أحياناً للظالم (الله أكبر) ليذكرونه بأن طغيانه سيعاقب ممن هو أكبر منه وبأنه لا شيئ أكبر من خالق البشر جميعاً مسلمين ومسيحيين.
ربما يجهز السيد أدونيس نفسه لإحدى الجوائز العالمية, لذا لا بد من مواقف كهذه التي تزدري بالعرب والمسلمين منهم بشكل خاص
الثورات لا تفصل كبعض الدساتير على مقاس بعض الرؤساء أو الشعراء. للأسف لم تكتب يوماً لهذا الشعب لتكون اليوم بين صفوفه ومؤيداً لثورته بوضوح. لست نزار ولا محمود ولا نجم ولا الماغوط ولا النواب. لك باريس ولنا دمشق