صفحات سوريةعمر قدور

أربع حكومات في سورية و… لا تقسيم!

عمر قدور

وفق الأنباء المتداوَلة في الأوساط السورية، قد تشهد الأيام المقبلة إعلان حكومتين في الشمال السوري، واحدة ستعلن عنها دولة العراق والشام الإسلامية («تنظيم القاعدة») مع إطلالة عيد الفطر. ونسبت المصادر الصحافية الخبر إلى مصدر في «الجيش الحر»، بينما لم تؤكد مصادر «القاعدة» النبأ. الحكومة الثانية هي حكومة غرب كردستان، بقيادة حزب الاتحاد الديموقراطي، الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني». ولم تكذّب مصادر الحزب النبأ، بل نُقل عن مسؤولين فيه اشتغالهم على دستور موقت قبل الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها بعد ثلاثة أشهر. أما حكومة ائتلاف المعارضة، فيقول مسؤول بارز فيه إن تسمية رئيسها المكلف الجديد قريبة أيضاً، وإذ لم يُعلن المدينة التي ستتخذها الحكومة مركزاً لها في الداخل، فإن المنافسة على رئاستها تنحصر بين شخصيتين من المنطقة الشرقية، وكان بعض الأوساط رجح أن تأخذ من مدينة الرقة المحررة مركزاً لها.

إذاً في غضون الأسابيع القليلة المقبلة قد تشهد سورية وجود أربع حكومات على أراضيها، في الوقت الذي يستبعد جميع الأطراف خيار التقسيم. ما يثير الاستغراب أن المناطق المحررة بقيت مساحتها الأكبر لمدة تقارب سنة بلا إدارة متكاملة، وتُرك أمرها لاجتهادات مناطقية أو أيديولوجية، ثم أتت أخبار الحكومات في الوقت الذي يشن النظام أعنف حملة عسكرية عليها، وسيكون شبه أكيد أن تتنازع هذه الحكومات في ما بينها، لتضيف إلى تشتت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام استنزافاً جديداً في قواها.

أولى بوادر النزاعات لاحت مع استهداف مقاتلي «القاعدة» عناصر وقيادات في «الجيش الحر». ووفق توقعات أحد قياديي «الحر»، فإن «القاعدة» تخطط للسيطرة على معبري باب الهوى وحارم الحدوديَّين مع تركيا، للإمساك بخطوط إمداد السلاح الآتي من الخارج وتهريب النفط من الداخل، وحددت ساعة الصفر في أول أيام عيد الفطر. المعركة التي ستفتتحها «القاعدة» واضحة المعالم، وغايتها طرد «الجيش الحر» من المناطق المحررة لا فتح جبهة جديدة مع النظام. وإذا صحت الأنباء، ستكون من أسوأ المعارك التي تُفرض عليه لجهة توقيتها، ولأنها تحاصره بين مقاتلي «القاعدة» ومقاتلي النظام. من جهة أخرى، سيمنع إعلان دولة «القاعدة» حكومة الائتلاف من التواجد في حلب وإدلب، لتبقى محصورة في الرقة ودير الزور، إن أتيح لها ذلك، حيث تنتهي حدودها مع منطقة الجزيرة السورية الخاضعة لحكومة غرب كردستان، وهي منطقة تتكرر فيها الاشتباكات بين الجهتين.

باستثناء حكومة الائتلاف، التي لم تلقَ بالأصل تشجيعاً دولياً، ثمة ما يثير الريبة في إعلان دولة «القاعدة» وحكومة غرب كردستان. الأولى جربت من قبل إعلان إمارة إسلامية في العراق ومنيت بالفشل الذريع، وليس في المعطيات السورية الحالية ما يبشرها بأن تكون تجربتها هنا أفضل حالاً، بل إن إعلانها يأتي وسط تفاهمات دولية وإقليمية على محاصرة التطرف الإسلامي. في الواقع ستقدم «القاعدة» الخدمة الأعظم للنظام، إذ لن تستطيع إقامة دولتها، وستتكفل بإنهاك «الجيش الحر» فحسب، بينما ينصبّ الاهتمام الدولي على خطرها بدل الاهتمام المتضائل بإسقاط النظام. لا يمكن فهم خطوة «القاعدة» هذه بوصفها خطوة استباقية وسط ما يُشاع عن نية «الجيش الحر» إقصاء المتطرفين كشرط للحصول على أسلحة نوعية، إذ لا مؤشرات إلى نية الحر أو قدرته على فتح جبهة معهم في الوقت الذي يخوض أشدَّ المعارك في حمص وحلب وريف دمشق، فضلاً عن عرقلة إمداده بالأسلحة الموعودة من قبل الدول الغربية التي يعوّل عليها.

نظرياً، تملك حكومة غرب كردستان مقومات داخلية أفضل حالاً، فهي تلاقي الأحلام القومية في حق تقرير المصير، وتمكّن أكراد سورية للمرة الأولى من نيل تمثيل سياسي مستقل. لكن المعطيات النظرية غير كافية إطلاقاً، وإذا استرجعنا تجربة إقليم كردستان العراقي، وهي النموذج الذي يبدو أنها ستحتذيه، رأينا حجم المخاضات التي أدت أخيراً إلى تبلوره، وسنرى خصوصاً حجم التفاهمات الدولية التي رافقت تكريس الوضع الحالي، الأمر الذي لا يتوافر حتى الآن لأكراد سورية. على الأقل يتطلب إنشاء كيان كردي من هذا القبيل تفاهماً مع الجار الكردي، ومعلوم أن العلاقة بين أكراد سورية وأكراد تركيا أكثر عداء من علاقة نظرائهم العراقيين مع الأتراك. فالحزب الذي يقود حكومة غرب كردستان كان دفع خلال العقود الثلاثة الماضية بآلاف الشباب للقتال في تركيا، وطالما كان وجوده مثار خلاف بين تركيا والنظام السوري، حيث لم تأخذ العلاقة بينهما مجراها الطبيعي إلا بعد تسليم زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان.

من جهة أخرى، عُرِف حزب الاتحاد الديموقراطي طوال الثورة السورية بعلاقاته الطيبة مع النظام، بل إن مقاتليه أطلقوا النار مرات على أكراد تظاهروا ضد النظام، ولم تنقطع زيارات زعيمه إلى موسكو، الحليف الدولي الأكبر للأخير. ومعلوم أيضاً أن عناصر النظام انسحبت من المناطق الكردية سلمياً، مخلية إياها لعناصر الحزب، فبقيت تلك المناطق في منزلة ملتبسة، لا هي خاضعة للنظام مباشرة ولا هي محررة. لذلك لا يمكن القول إن خطوة إعلان الحكومة مجرد انتهازية سياسية يقتنص فيها الحزب أعلى المكاسب، أثناء انشغال القوى الأخرى بالقتال في ما بينها. مسار الحزب يستبعد هذه الفرضية، ويرجح أن تكون خطوته بالتفاهم مع النظام وحلفائه، وضمن وعود بحقوق أفضل للأكراد، ومن المرجح أن المفاوضات التي جرت أخيراً بين بعض القيادات الكردية الأخرى والنظام شجعتها على المضي مع الحزب في مشروع الحكومة.

إلى وقت قريــب كانت التـــخوفات تنصب على قيام دولة علوية في الساحل الســوري، تكون بمثابة ملاذ أخـــير للـــنظام، لكن التـــطورات الأخيرة تنبئ بالأسوأ، الأسوأ الذي لن يكون التقسيم، أو لن يكون التقسيم سريعاً على الأقل. وجود أربع حكومات على الأرض سيعني حرب الجميع على الجميع، وسيسحب الشرعية أولاً من حكومة المعارضة في مواجهة النظام، أما الأخير فسيكـــون في أفضل حالاته، لأن الثورة تكون قد انتهت، وما همَّ حينَها إن ضاع البلد؟

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى