صفحات العالم

أردوغان خسر إيران بعد سوريا


    سميح صعب

كان على رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان يتعمق أكثر في علم السياسة، وان يتوقع الوصول الى المواجهة مع ايران والعراق امتداداً للمواجهة التي قرر ان يخوضها قبل سنة مع سوريا. إذ لم تقتنع طهران بالاغراءات التي قدمها لها اقتصادياً ونووياً في مقابل التخلي عن الحليف السوري.

لكن استدارة تركيا عن ايران تكرس ما كانت تخشاه موسكو منذ بدء الازمة السورية، أي ان تتحول هذه الازمة منصة لاطلاق صراع سني – شيعي في المنطقة. وها هي الاصطفافات الجارية الآن تصب في هذا الاتجاه. وإلا كيف يمكن تفسير احتضان اقليم كردستان العراق نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي ومن ثم ذهاب الأخير الى قطر والسعودية حاملاً على رئيس الوزراء نوري المالكي الذي كان قال بالتزامن مع انعقاد ما يسمى بـ”المؤتمر الدولي لاصدقاء الشعب السوري” في اسطنبول، ان النظام السوري لن يسقط بالقوة، وهاجم الرياض والدوحة. وأتى  الرد باستضافة الهاشمي بصفته نائباً للرئيس العراقي وليس بصفته ملاحقاً من الحكومة العراقية بتهمة الارهاب.

والاستدارة التركية عن ايران تمثل نقطة تحول في صراعات المنطقة كلها وتسقط عنها غطاء التحول الى الديموقراطية والتغني بـ”ربيع” الشعوب، لتردها الى صراع مذهبي يؤذن بتحول المنطقة برميلاً من بارود لن يكون أحد بمأمن منه.

ومن شأن الصراع السني-الشيعي ان يفجر الشرق الاوسط من دون ان يوصل المنطقة الى الديموقراطية ولا الى “الربيع”. وستكون اسرائيل وحدها المبتهجة بمثل هذا الصراع لأنه يعطيها “مشروعية” المناداة بنفسها “دولة لليهود” في هذا الخضم من الصراع الديني. ومن شأنه ايضاً ان يقوي حركات التطرف الاسلامي على غرار “القاعدة”  التي يخوض الغرب معها مواجهات منذ اواخر  القرن الماضي.

من هنا ربما كان على اردوغان، لو تحلى بالحكمة والصبر، ان يعمل مع ايران بصفتها القوة الشيعية الكبرى على التوصل الى حل سياسي اقليمي توافقي للأزمة السورية، وألاّ يدخل طرفاً وهو يعلم ان دخوله هذا سيؤدي الى تأجيج الصراع المذهبي لعلمه بأن ايران لن تتخلى عن دمشق.

ومهما غلف اردوغان حق التدخل في سوريا من اقامة منطقة عازلة لاستيعاب النازحين، الى التشديد على ضرورة دعم المعارضة السورية بالسلاح من اجل دعم قيم الديموقراطية والتحول السياسي وحق الشعوب في الحرية، فإنه يقود تركيا الى الانخراط في صراع مذهبي ستتطاير شظاياه في كل اتجاه.

كان في امكان اردوغان ان يقود المنطقة نحو الهدوء لو أخذ على عاتقه الدفع في اتجاه المصالحة في سوريا ولو دفع في اتجاه المصالحة بين سوريا ودول الخليج العربية، عوض اختيار اتجاه المجهول.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى