أسئلة الروايات أم أجوبتها؟/ ممدوح عزام
تتركنا الصفحات الأخيرة من رواية “شرق المتوسط” لـ عبد الرحمن منيف وسط كمّ من الأسئلة المحيّرة التي لا نجد لها جواباً. وها قد مضت سنوات طويلة على تاريخ صدور الرواية، ولا تزال تحتفظ براهن الأسئلة التي تركتها مفتوحة. لم يجد القارئ العربي الأجوبة عن هذه الأسئلة. وهو ما يرشّح الرواية لقراءة متجدّدة، ناجمة على الأرجح عن استمرار الحال الذي ولّد تلك الأسئلة في وجدان شخصيات الرواية، وترك أثراً في ضمير قارئها. فهل يمكن أن نتوقف عن قراءة هذه الرواية، حين نعثر على الأجوبة التي طرحتها علينا؟
ثمة أمران في هذا الباب: الأول هو أسئلةُ الرواية الوجوديةُ أو الاجتماعية أو الفلسفية أو السياسية، وثمة طيف واسع من المشاغل التي يمكن أن تملأ الحيّز السردي بحيث تفتح أفقاً عريضاً أمام النصوص لطرح التساؤلات حولها. والثاني هو أسئلة الرواية عن النوع الأدبي نفسه.
على أن تعدّد الدلالة وتغيّر مستويات القراءة إنما يشغل المجال الأول من مجالات الرواية، بينما يعمل المجال الثاني على تحسين الأداء، وتفعيل العلاقة بين القارئ والنص الروائي.
المفارقة التي تقدّمها الحياة هي أن الناس لا يكفّون عن الشكوى من تراكم الأسئلة، فالأسئلة متعبة، تثير غضبهم وتغلق الفضاء من حولهم، وتزيد في حيرتهم مما يحدث، في الوقت الذي تزداد وتيرة الأسئلة شدة وتأزماً كلما تردت الأحوال على الصعيد الأخلاقي أو الفكري أو السياسي أو الاقتصادي.
وفي سورية اليوم مثلاً يلوذ الناس بالمجموعات الصغيرة (العائلة والقبيلة والعصابة والمليشيا) التي يمكن أن تشكل هويات راهنة تستطيع أن تضمن لهم الحماية من غياب الجواب، أو تستطيع أن تضمن لهم أجوبة مؤقتة عن حاضر شقي. وإذا ما افترقت أسئلة الرواية عن أسئلة الناس، أو إذا ما اضطربت تلك الأسئلة، وطاشت في خضم الأحداث، فهل يمكن أن يتبدى هذا في عزوف المواطن العربي عن قراءة الرواية العربية.
أقول: “هل” في مواجهة أحد الأسئلة التي تشغل نطاقاً واسعاً من الاهتمام العربي في البحث عن أسباب عدم قراءة الرواية العربية، في مقابل قراءة الرواية المترجمة. وعندئذ يُطرح سؤال جديد: هل على الروائي أن يلتحق في روايته بهموم الشارع، وأن يطرح أسئلته، أم أن عليه، ومن حقه، أن يضع بين أيدي القراء مشروعاً آخر للحياة؟ وهذا سؤال يواجه الرواية هذه المرة.
والقصص في العادة ليست جواباً عن أي سؤال محدد. والراجح أنها هي نفسها تقف حائرة تجاه مسائل الوجود، بقدر ما تكون محيّرة تجاه العادي واليومي في الحياة البشرية. وعلة الروايات النضالية هي أنها كانت، ولا تزال، تفيض بالأجوبة، أو تتخذ من الجواب عنواناً لوجودها النصي، وهي تحاول أن تثبت علانية أنها تمثل الحقيقة الأخيرة.
وأخطر ما يمكن أن يواجه الرواية السورية اليوم، هو مقاربة الأجوبة، فالأجوبة التي يمكن للروائي أن يكون قد خزنها في جعبته قد لا تصلح موضوعاً أو مضموناً لرواية. بينما تظهر القصص التي تتوالد يومياً، مستودعاً ضخماً للتساؤلات. ولكن: هل يحكي الروائي ما يعرفه القارئ؟ فيما ينشأ سؤال نقدي آخر في مواجهته يقول: وهل يعرف القارئ كل شيء يحدث الآن؟
لماذا لا نزال نقرأ “شرق المتوسط” إذن؟
لا يكفي جواب المتعة لتغطية السؤال. كما لا يكفي سؤال المعرفة أيضاً. وقد تكون قدرة الرواية على خلق العالم الموازي، في المخيلة، لعالمنا اليومي، عاملاً في خلق الرغبة للقراءة. إنها رحلة البحث عن الآخر، وعن أسئلة الحياة والوجود التي ستظل تشغل البشر.
العربي الجديد