راشد عيسىصفحات الثقافة

أسئلة حول الممثل السوري/ راشد عيسى

هل باتت مهنة التمثيل وضيعة إلى هذا الحد؟ الحد الذي يجعل من الممثل مجرد أداة في مشروع ليس فقط لا يمثله، بل يتعارض تماماً مع قناعاته وإيمانه الشخصي؟

أحد الممثلين السوريين أخذ على المخرج نجدت أنزور أنه كان يسأل الممثلين قبل أن يتعاقد معهم في عمله الأخير “تحت سماء الوطن” إن كانوا موالين أم معارضين للنظام السوري. الممثل تباهى في حديثه ذاك أن الممثلين خدعوا أنزور وأوهموه أنهم موالون فعملوا في مسلسله.

في النتيجة نصف الممثلين المشاركين في مسلسل أنزور، الذي يمثل وجهة نظر النظام السوري، ويعرض على شاشته الرسمية، معارضون للنظام السوري، أو هكذا يزعمون. وبالطبع لا يخفى على أحد أن أنزور لا يمكن أن يحيد في مسلسله عن كونه أبرز الموالين للنظام، وقد ساهم في شن حملات على فنانين سوريين لمجرد توقيعهم على “بيان الحليب” المعروف.

حين أبديت دهشتي مما قاله الممثل عن سلوك زملائه، كيف يقبلون أساساً العمل مع مخرج يعرفون تماما إلى أين سيأخذهم، قال الممثل: “بدهم يعيشوا”. طيب، وماذا عن الملايين الذين هدمت بيوتهم وشردوا، قتلوا، أو انتهكت أعراضهم، أو اعتقلوا؟ لماذا على هؤلاء فقط أن يدفعوا ثمن الكلمة، في وقت لا يريد الممثل أن يدفع ثمناً بسيطاً هو التوقف عن العمل مع مخرج شبيح؟

قد تبدو الصورة من خارج المشهد خادعة إلى حد ما، إذ يمكن أن نفسر تلك الأعمال التلفزيونية التي جمعت موالين ومعارضين في خلطة غير مفهومة على أنها نوع من التعبير عن قبول الآخر واحترام رأيه، لكن من يعرف الوسط الفني يدرك جيداً أن أحداً لا يحترم أحداً، ومعروفة طبعاً دعوات التحريض من قبل شبيحة النظام على زملائهم من الفنانين المعارضين.

ليست المشكلة فقط في تصور ما يحدث في موقع التصوير من ازدراء وتجاهل ومشاحنات، بل أيضاً في مدى قبول المعارض لعب دور شبيح أو العكس. هل يعني قبول الممثل الموالي للنظام، لعب دور معارض للنظام بهذا الإخلاص، انتماء للمهنة، التي تتطلب منه أن يلعب أي دور يقتنع به درامياً، أم أنه الإخلاص للقمة العيش؟ أم أن الممثل لا يعرف توجّه العمل؟ حيث بات من تقاليد العمل أن الممثل يحصل على نص مشاهده هو فقط، لا على النص كله، وربما لو حصل عليه لما شغل نفسه بقراءة العمل ليعرف وجهته العامة، إذ غالباً ما يجد الممثل نفسه في زحمة تصوير أكثر من مسلسل في وقت واحد، فتختلط المشاهد والملابس ومواقع التصوير. لذلك لن يجد المرء تفسيراً للحية قصي خولي في مسلسلين يشغلان شاشات رمضان سوى أنه كان يصور المسلسلين في الفترة نفسها، إنها لحية الثائر في “الولادة من الخاصرة”، ولحية تاجر السلاح في “سنعود بعد قليل”.

كذلك الأمر بالنسبة إلى عابد فهد، الحاضر بالشكل نفسه في مسلسلات ثلاثة. وإذا افترضنا الإخلاص في أداء الممثلين من الجهتين، فهل يعني هذا أن شيئاً من الشخصية التي لعبها الممثل يمكن أن تتسرب إلى سلوكه وشخصه؟ هل يمكن لأحد أبرز الموالين، قصي خولي، وهو يلعب دور ثائر، أن يتبنى مقولاته؟ هل فكر قصي حقاً بسلوك الشخصية التي يؤديها وأفكارها؟ طبعا يمكننا الافتراض هنا أن ثمة من لعب أدواراً تنسجم مع قناعاته، وعلى ذلك قد تكون فرصة عمر بالنسبة إلى باسم ياخور أن يؤدي دور شيخ الوادي في “الولادة من الخاصرة”، أي أن يلعب دور زعيم الشبيحة.

سؤال آخر بخصوص التمثيل في المسلسلات السورية ما بعد الثورة: بعد أن ينتهي الممثل من أداء الدور، قد يبقى متقمصاً الشخصية إلى أمد طويل في حياته (كما حدث مع غسان مسعود بعد أداء دور صلاح الدين في فيلم “مملكة الجنة”).. هل هذا وارد بالنسبة إلى الممثلين الموالين للنظام الذين يلعبون أدوار معارضين، أو العكس؟ مَن المرشح أكثر من غيره للاستمرار في لعب الدور في الحياة؟ إذا سلّمنا بأن الممثل لن يقرأ نص المسلسل بالكامل، فمن غير المتوقع ألا يقرأ الحوار الذي يؤديه مع ممثل مقابل. في مشهد بين دريد لحام وكندة علوش، في “سنعود بعد قليل”، تسأل كندة: “أنت مع القتل؟”، وينظر إليها دريد بعتب: “انت بتعرفي انو طول حياتي ما كنت مع العنف”.

ويضيف (ما معناه): “أنا مو مع انه الارهابيين الأجانب يخربوا بلدنا”.. كندة لا تجيب، تخفض عينيها وبعد قليل تعيد السؤال: “هل أنت مع القتل؟”. لا نريد أن نسأل علوش هنا، كممثلة معارضة، بل كممثلة جادة، إن كانت ترى في الحوار التوازن الذي يضمن الموضوعية والإخلاص لمنطق الشخصية وثقافتها. هذه ليست مسؤولية الكاتب فقط، إلا إذا قبل الممثل أن يكون مجرد أداة يسيرها المخرج.

أمر آخر يثير الانتباه، لماذا يقبل الممثل في التلفزيون ما لا يقبله في المسرح؟ لماذا تجدهم هم أنفسهم، حين يتحدثون عن المسرح، أصحاب مشاريع، ولا يقبلون بأي نص أو كلام، فيما هم على الحال هذه في التلفزيون؟ مع العلم أن الأخير أوسع وأعمق تأثيراً. بعد ذلك كله، سيفرد التلفزيون لهؤلاء ساعات وساعات في مقابلات وإضاءات على حياتهم وآرائهم ومواقفهم كي تتعلم الجماهير، كي تفهم الجماهير،.. هل تقبل الجماهير؟!

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى