أسئلة كثيرة مقلقة ولا إجابات/ سمير العيطة
يعتري الغموض أسباب فشل الاتفاق الأميركي ـ الروسيّ لوقف الاقتتال في سوريا. هناك الضربة الجويّة الأميركيّة على الجيش السوريّ في دير الزور، المكان الوحيد الذي لا التباس فيه في ما يخصّ الصراع مع «الدولة الإسلاميّة». وكذلك قصف قافلة المساعدات الإنسانيّة المتوجّهة إلى حلب والتي كان أغلب شهدائها من «الهلال الأحمر السوريّ» الذي تتّهمه المعارضة بأنّه مخترقٌ من قبل أجهزة الأمن السوريّة. واللافت أنّ منظّمة إغاثيّة طبيّة قريبة من المعارضة كان المفترض أن ترافق أيضاً قافلة الهلال الأحمر وطُلب منها في اللحظة الأخيرة ألاّ تقوم بذلك، لتتلقّى حيث بقيت قصفاً أوقع شهداء بين عناصرها.
فمن أراد إفشال هذا الاتفاق؟ وهل حقّاً هناك تمرّد للبنتاغون وأجهزة المخابرات الأميركيّة ضدّ رئيس الأميركي المنتهية ولايته؟ أم أنّ روسيا هي التي أفشلته؟
ثمّ ما الذي تضمّنه حقّاً الاتفاق الأميركي ـ الروسيّ؟ وهل يُعقل أن المسؤولين الرفيعي المستوى من الطرفين قد أمضوا كلّ تلك الساعات الطوال للتفاوض فقط حول سبل فتح طريق الكاستيلو؟ وكأنّهم لا يعلمون أنّ أيّ هدنة لا معنى لها إذا لم تتبعها آليّات تضع الصراع في طريق حلّ يوقف الحرب ولو تدريجيّاً.
ثمّ ما معنى أن يتمّ تقديم مشروعي قرار لمجلس الأمن لا أمل لأيّ منهما أن يتمّ إقراره ولا هدف لهما سوى إحراج الطرف المقابل؟ أهي مبارزة أمام الرأي العام على حساب السوريين؟ وما الأهمّ إذاً وقف الحرب والقتل أم هذه المبارزة الإعلاميّة؟ ثمّ أين يكمن الفرق حقّاً بين مشروعي القرارين؟ وأين يتموضع هذا الاختلاف مقارنة مع الاتفاق الأميركي ـ الروسيّ الذي انهار؟ ولماذا صوّتت مصر لمصلحة القرارين معاً مخاطِرةً بالدعم الماديّ التي هي بأمسّ الحاجة إليه من قبل العربيّة السعوديّة؟ ولماذا لم تضمّ الصين صوتها إلى صوت روسيا هذه المرّة في استخدام حقّ النقض حيال مشروع القرار الفرنسيّ – الخليجيّ؟
لماذا أيضاً أخذ المبعوث الأمميّ دي ميستورا المخاطرة بمبادرة أنّه سيذهب بنفسه كي يخرج معه مقاتلو «فتح الشام/جبهة النصرة» من حلب؟
أسئلة كثيرة على الصعيد الدوليّ تقابها أسئلة أخرى على الصعيد الميدانيّ.
في خضمّ هذه التطوّرات، ساد اعتقاد أنّ «غزوةً» ذات عنوانٍ «إخوانيّ» يقودها «جند الأقصى» المبايعون لـ «داعش» ستؤدّي إلى سقوط حماه. ذلك بقصد أن يخفّ الضغط على حلب ويغرق الروس في المستنقع السوريّ. لكن فجأةً يدبّ قتالٌ عنيفٌ بين «أحرار الشام» و «جند الأقصى» ينتهي بانضمام أغلب أعضاء هذه الأخيرة إلى «فتح الشام»، ويذهب الباقون إلى حضن «الدولة الإسلاميّة» في الرقّة. وتتوقّف بالتالي غزوة حماه. فما الذي يعنيه ذلك على صعيد التناقض بين الأجندتين التركيّة والقطريّة في سوريا؟ وما الذي يجري حقّاً على صعيد الملفّ الرئيس الذي أفشل الاتفاق الأميركي – الروسيّ وهو بالضبط «فتح الشام»؟
هذا كلّه في مناخٍ من التهويج الديبلوماسيّ والإعلاميّ بأنّ الحرب العالمية الثالثة باتت قريبة ولا تنتظر سوى الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة ومعرفة الفائز.
هذه الأسئلة كلّها لا تجد أجوبةً شافية، ولا أحد يهتمّ لرأي معظم السوريين الذين سئموا القتل والدمار. ولم يعد يهمّهم حقّاً أن تبدو هذه الدولة قد انتصرت على تلــك في المبارزة الدوليّة، بل أن توقف جميع هذه الدول صراعاتها في سوريا وعليها، وأن تعـــود لما اتفقت عليه في فيينّا وقرارات مجلس الأمن، وأن تبدأ آليّة ولو تدريجيّة لرأب النفوس التي تصـــدّعت ولإعـــادة تشييد السـلم والوطن على الطريق الطويل.
السفير