صفحات العالم

أساس السياسة الروسية: منع “المصالحة” الأميركية ـ الجهادية/ وسام سعادة

إذا كانت دعاية النظام السوري و”حزب الله” تروّج لفكرة المؤامرة الثلاثية “الأميركية الاسرائيلية التكفيرية” ضد بشّار الأسد والممانعة، فإن أفضل طريق لتظهير الدوافع الروسية في المسألة السورية هو المجازفة بالقول إنّ ما تسعى اليه موسكو هو تحديداً الحؤول دون التقاطع، مجدداً، بين المصالح الأميركية وبين مصالح الحركات الاسلامية الراديكالية، هذا التقاطع الذي عرف فترته الذهبية في ثمانينات القرن الماضي أيام حرب أفغانستان.

انطلاقاً من تصور معين للربيع العربي على انه يسمح بإعادة تشكيل خشبة التلاقي بين الادارة الاميركية وبين الحركات الاسلامية، وآخذاً بالاعتبار ما يمكن ان يسفر عنه الانسحاب الاميركي من افغانستان من انتشار الحركات الاسلامية بشكل واسع في آسيا الوسطى، تستشعر موسكو ضرورة تحويل هذا التلاقي الى استحالة، مستفيدة أساساً من كل تردد أميركي وغربي في دعم الفصائل المسلحة السورية ضد النظام البعثي، انطلاقاً من عقدة انقلاب الحركات الجهادية على اميركا من بعد شهر العسل الافغاني.

فروسيا الاتحادية، وبشكل أكثر وعياً لذلك في مرحلة فلاديمير بوتين، تعتبر أن عليها مواجهة تيارين: الليبرالية الوافدة في اتجاه القسم الأوروبي من الاتحاد السوفياتي السابق، وهذه عمل بوتين على احباطها سواء في اوكرانيا، من خلال الثورة المضادة لتلك البرتقالية، او في جيورجيا، من خلال الضربة العسكرية، وقد استفاد من هشاشة التجربة الليبرالية الاوكرانية من ناحية، ومن رعونة التدخل الجيورجي في اوسيتيا الجنوبية من ناحية ثانية.

يعتبر الروس في هذا المجال أن المطلوب ان يفقد الاميركيون الامل في ان يتحول الليبراليون المحليون في هذه البلدان الى حصان طروادة ضد السياسة الروسية، وعندها يمكن ان يلعب المركز البوتيني دوراً وسطياً بين التصورات الليبرالية وتلك الدولتية، سواء في روسيا او في غيرها من الجمهوريات السوفياتية السابقة.

بالتوازي، ليس دقيقاً عزو السياسة الروسية في الموضوع السوري الى ضرب من “الاسلاموفوبيا” او الى هوى “حرب باردة” ثانية، بقدر ما هي سياسة ناشئة عن استشعار التلاقي من جديد بين الاميركيين والاسلاميين الراديكاليين على انه ما زال في قيد الامكان رغم هجمات الحادي عشر من ايلول، وتحديداً في مرحلة ما بعد انهيار الانظمة العربية والعد العكسي للانسحاب من افغانستان.

تعتبر موسكو ان السياسة الاميركية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة تخطت استراتيجيات الاحتواء (منع تمدد النفوذ السوفياتي نحو الجنوب والغرب)، الى استراتيجية تقويض النفوذ الروسي في الجمهوريات السوفياتية السابقة او تقاسم النفوذ مع موسكو فيها، وهو ما يكون بتفاهم اميركي – ليبرالي في حال الجمهوريات المسيحية من الاتحاد السوفياتي السابق، وتفاهم اميركي – اسلامي في حال الجمهوريات المسلمة.

من هنا، كان التركيز في السياسة السورية على كل ما من شأنه منع “المصالحة” بين السياسة الاميركية والحركات الاسلامية الراديكالية، وصولاً الى اللحظة الحالية، حيث إن الحركات الاخيرة اخذت تطور في تصورها تفسيراً تآمرياً عن تواطؤ اميركي – روسي مزعوم مع نظام الاسد، هذا في وقت يتزاحم فيه تصوران مختلفان كثيراً لمكافحة تنظيم القاعدة، تصور روسي وتصور أميركي.

يبقى أن الاختلاف بين المقاربة الروسية (منع التقاء الاميركيين والجهاديين مرة ثانية)، وبين المقاربة البعثية – الخمينية (مؤامرة اميركية – اسرائيلية – تكفيرية) هو اختلاف غير هامشي، وتبعاته أيضاً غير هامشية. والى حد، ما زال النظر الى السياسة الروسية في سوريا تغلب عليه العاطفة سورياً وعربياً، او يجري تفسيره بالمنازع المافياوية ليس الا، او من جهة الممانعة، باستحضار الاتحاد السوفياتي الذي قضى نحبه.

نعم، روسيا الاتحادية تقف بوجه المسار التحرري للاكثرية من الشعب السوري بوجه نظام دموي فئوي. لكنها لا تفعل ذلك كرمى لعيون هذا النظام، ولا لأنه ممانعة صغرى، وهي ممانعة كبرى. صحيح انها هي ايضاً تغرف من نظرية المؤامرة، لكنها تختلف في الحصيلة: ما يتعامل معه البعثيون والخمينيون على انه تحالف اميركي – جهادي ضدهم، يتعامل معه الروس على انه ميدان تبديد احتمالات اي تقاطع مستقبلي بين الاميركيين والجهاديين. يبقى ان من النتائج الكابوسية للتصور الروسي، انه بخلاف اميركا التي لديها مشكلة فعلية في سيطرة الحركات الاسلامية الراديكالية على سوريا، فان مثل هذه السيطرة ستكرّس مرامي السياسة الروسية: تغليب عناصر التصادم على عناصر التلاقي، بين اميركا والجهاديين.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى