أسراب الحَمَام وسيلة أهل دير الزور لتفادي القذائف والصواريخ/ هديل عرجة
«اختبئوا هناك قذيفة ستسقط « كلمات ردّدها شاب كان يقف على سطح أحد الأبنية، وما أن أنهى جملته حتى حطّت قذيفة في الحي رافقتها أصوات تطاير الشظايا.
«كيف تنبّأ هذا الشاب بالقذيفة التي لم ندركها إلا بعد سقوطها؟ والذي كان سبباً في إنقاذ أرواحنا من الشظايا المتطايرة؟». سؤال دفعنا لطرق باب ذلك المنزل في حيّ الجبيلة بدير الزور شرقي سورية، حيث استقبلنا عباس، وهو شاب في العشرينات من عمره، برحابة صدر، وتوجهنا معه إلى سطح المنزل ليجيب عن استفسارنا بقوله: «أعتني هنا بأسراب حمام نزح أصحابها وتركوها لنا لنهتمّ بها ونطعمها».
وأضاف لـ «الحياة» موضحاً: «الحيوانات تستشعر الخطر قبل البشر، وهي ليست المرّة الأولى التي يهرع الحمام فجأة ليحلق عالياً قبيل سقوط القذائف».
رغم الموت الذي يحيط بأهالي المدينة وبشكل خاص في المناطق التي تعتبر خطوط نار واشتباك، إلا «أنّهم في نهاية الأمر يملكون خيار الرحيل ولو كان هذا الخيار قسري حمايةّ لأرواحهم من مسببات الموت الكثيرة من قصف أو جوع أو برد» على حدّ قول عباس والذي أضاف: «لكنّ طيور الحمام هذه لا حول لها ولا قوّة وهي بحاجة لمن يعتني بها ويطعمها».
لم يتوان عباس ووالده عن احتضان هذا الحمام على سطح منزلهم، وأخذوا على عاتقهم إطعامه رّغم صعوبة تأمين الطعام لأفراد عائلتهم وذلك بسبب نقص المواد الغذائية التي يعاني منها المدنيون في المدينة، لذلك فهم إما يقومون بطحن الخبز اليابس والذي كما قال عباس: «أصبح عملة نادرة جداً في هذه الأيام، لذلك غالباً ما نترك للحمام حصّته من طعام الغداء، وفي بعض الأحيان تعطينا الكتائب المرابطة بقايا الخبز اليابس لنقدّمه لها».
عبّاس الذي يقضي ساعات النهار في حيّ الجبيلة التابع لإحدى كتائب الجيش الحر، هو من القليلين الذين اختاروا البقاء في الحيّ الذي ترعرع فيه «لما يحمل من ذكريات تستحق القتال للدفاع عنها والمحافظة على ما بقي منها»، و«طيور الحمام هذه هي جزء من هذه الذكريات التي طالما كانت شاهدة على الحياة في مدينته قبل الحصار والدمار» على حدّ وصفه.
… من صوت القذيفة!
مواقف كثيرة ومؤثرة تعرّض لها عباس مع هذا الحمام: «منذ قرابة شهر اشتدّت المعارك هنا، ولهول الأصوات وقوّتها ماتت بضعة طيور من الحمام وهي واقفة في مكانها يبدو أنّ قلبها لم يتحمّل»، وأضاف: «أحزنني هذا الموقف كثيراً فما ذنبها بما تقترفه يد البشر؟».
رّغم خبرة عباس الضئيلة في الاهتــــمام بالحمام، ومع مرور الأيام ربطته بها علاقة وثيقة ويبدو ذلك واضحاً من أسلوب وصفه لها وكيفية اعتنائه بها، وبخاصة أنه بنى لها بيتاً صغيراً لتحتمي فيه من المطر شتاء ومن حرّ الشمس صيفاً.
دير الزور (سورية)