أشكّ بك يا توازن العالم/ حمزة كوتي
حالة غياب
أغنياتٌ عربيّة تنضح فيَّ طوال الوقت. أخذتُ أخافُ منها كثيراً لأنها تثير تركة الماضي؛ أخذتُ أتلاشى من منطق الطير في الصبح وأنتِ تركتِ رماداً يكفي لأيامي الخالية؛ تركتِ الصور وأحلاماً لا تقبلُ التفسير. أغنياتٌ تثيرُ فيكِ الأنوثة؛ وكلّما أسمعتك تلكم الأغنيات، قلتِ سأموتُ من شدة الحبّ يوماً؛ وجمالي لا يعني لي شيئاً لو لم تكن أنت مرآتي أيُّها الرجلُ القديم.
أجهل النهايات
أجهلُ نهاية المطاف مثلما أجهلُ نهاية العالم؛ من منّا جاء ومن منّا قرّر أن يعود إلى عزلته؛ من خسر من؛ ومن أضلّ من؛ ومن أحبّ من؛ كلانا في الطريق مسافرٌ لا يصل؛ وكلانا عاشقٌ يرفضُ قراءة القهوة وتدخلاتِ السحرة. وجد بعضُنا بعضاً في الكلمات، وكانت الكلمات خسارتنا الجميلة؛ قلتِ أقبلْ أيها الرجل، فهذه الطريق تؤدي إلى الانهيار ثم نصنع الذات ثانية؛ فأقبلتُ عليكِ وأنا أقتربُ من هذا الحصار.
أشكّ بك
أشكُ بك يا توازنَ العالم وبكم أنتم يا شياطيني. غمرني النهـر القوي وجرفني إلى بيوتِ السحرة ومعاشرةِ من لا يعرفونني. أبيتُ في مقام وليّ كريم وأبات أجهلُ الأحلامَ التي سوف تأتي؛ أعودُ إلى البيت والبيتُ يرفضني. جدرانٌ من زخارفَ تضايقني وسقوفٌ تتأوّه مني؛ شوارعُ لا أحتملُ كلامَها العربيّ وبيوتٌ فناجينها صامتة.
أشكّ بك يا توازنَ العالم.
سأم
التأمّل في سقوفٍ منقوشةٍ بآثار العناكب، في كتب لم تكتملْ قراءتها، في سلالم مغسولة بالشمس. السير في شوارع حديثها الهجرة، التفكير بأشخاصٍ لا تعرفهم، ومشاهدة ناسٍ لا يعنون شيئاً، زيارة أصدقاء قديمين قد حطّمهم الوجود، دخول بيوتٍ لا تعرف شيئاً عنها، الظن الكثير بعابر سبيل، الاستشارة بالكتب المقدسة والتجوّل في حدائق عامة ولامباليات تتسرّبُ إليك بعد عودتك إلى البيت.
محاولة انتحار
أريدُ أن أدخلَ في نقطةٍ، في لون؛ أن أدخلَ في أنفاس بائع أحجار جوّال؛ وأن أدخلَ في كحل امرأةٍ جنوبيّة، وأرى العالمَ بعينيها؛ أريد أن أكونَ الزورق مقلوباً؛ وأكونَ بين القواقع؛ أن أدخلَ في صوت الموج؛ وأنسى ما لُقنتُ من ديانةٍ ولغة؛ أن أكون طلاء جدار، وأن أتمناك حتى التخلي عن الذات؛ أريدُ أن أدخل في اسطرلابٍ؛ أريدُ أن أكونَ معرفتكِ بالكلمات، أن أكون شوقك للبحر ولمدينةٍ في الجنوب.
أغيّرُ ترتيب الغرفة
سأرتب الغرفة؛ أصبغ الجدران باللّون الذي تفضّلين. أنصبُ لوحاتٍ من ميرو وبيكاسو حتى تأتي، أمسحُ الغبار عن المرآة وأنظّفُ النوافذ حتى تأتي، أنظّفُ زوايا غرفة النوم من بقايا العناكب. أغسلُ الفناجين التي أشربُ بها وأرتّبُ الكتب، وأمسحُ الترابَ عنها حتى تأتي، أحلقُ ذقني، أرمي بالثياب التي ما إن ألسبها حتى أشعر بالاكتئاب. سأوقد المبخرة، سأنطرك بين شموع الليل حتى تأتي. سأفعلُ كلّ شيء وفي نفس الوقت، أعرفُ تماماً أنكِ لم تعودي.
لا أمتهن
لا أمتهنُ بعدك إلا التسكّعَ في شوارع خلت من حديثِ الأسفار والمهربين؛ الأيامُ قد لا ترحم رجلاً تكثفت عليه مفاهيم الهجرة والقلق، رجلاً يهوي من الأعالي فيتلقفه الطيرُ ويرميه ثانية إلى مدينةٍ ميتة؛ يتسكّعُ ويدخن؛ ويريد أن يُسكِتَ في داخله رجلاً لا يكفّ عن الحديث. لا أمتهن غير التأمل في ما فعلنا، في رجلٍ ينهار في العزلة، وامرأةٍ تنهزم.
* شاعر ومترجم من مواليد الأهواز عام 1983
العربي الجديد