أضرار اللعب بالوقت الضائع
وليد شقير
في الوقت الضائع الذي تمر به الأزمات الكبرى، مثل الأزمة السورية، تبدو الأمور ملتبسة على الكثيرين وتكون مجالاً للمواقف الرمادية وتفتح الباب على الكثير من الأوهام لدى أطراف الصراع، وتتيح للاعبين أن يوجهوا ضربات تحت الزنار، وتجعل فرقاء في حال من العجز والضعف.
هكذا، أدخلت الانتخابات الرئاسية الأميركية الولايات المتحدة في حال من الكوما الانتخابية التي جمدت كل المحاولات الجدية لوضع آليات إنهاء الأزمة السورية، فأطالت الوقت الضائع الذي كان بدأ منذ الفيتو الروسي – الصيني الثالث في مجلس الأمن في تموز (يوليو) الماضي، وحال دون توافق المجتمع الدولي على خطة لانتقال السلطة في سورية. وإذا كان الرئيس الأميركي باراك أوباما أبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل زهاء 6 أشهر، أنه بعد الانتخابات سيكون قادراً على الاتفاق معه على حلول لعدد من القضايا العالقة بين البلدين، فإن المحور الدولي – الإقليمي الداعم لنظام الرئيس بشار الأسد سعى للإفادة من الوقت الضائع الى أقصى الحدود. وفضلاً عن أن الأسد، كالعادة، أخذ يفهم حاجة الدول الكبرى المؤثرة الى المزيد من الوقت كي تحقق تفاهماً بينها، والاقتناع الضمني لدى دول غربية في طليعتها الولايات المتحدة بأن خروج سورية من هذه الأزمة منهكة ومحطمة وشبه مقسمة هو أفضل السبل لضمان أمن إسرائيل، على أنهما قرار دولي يحبذ بقاءه في السلطة، استسهل النظام إقناع نفسه ومعه حلفاؤه بأن لا غنى عنه وبأنه تجاوز الخطر فأمعن في المجازر والقصف الجوي والإبادة في بلدات وأحياء في بعض المدن وفي محيط دمشق وفي قلبها. والسبب هو الحال الافتراضية التي يعيشها بأن أزمته هي مع الخارج لا مع شعبه وفي الداخل هذه المرة، قبل أي شيء آخر.
لكن أضرار الوقت الضائع تجاوزت الداخل السوري في الشهرين الماضيين، لأن أطراف المحور الداعم للأسد من روسيا الى إيران وصولاً الى لبنان وجدت فرصة للعب بالوضع الإقليمي فاستطاعت أن تحقق خطوات تفاوتت أهميتها وفق كل دولة من الدول المحيطة بسورية. وهكذا أتاح الوقت الضائع تسليم النظام مناطق سورية حدودية مع تركيا لمسلحي حزب العمال الكردستاني بموازاة التحرشات العسكرية مع تركيا على الحدود التي فتحت جبهات جديدة مع الخارج. حرّك خلاياه باتجاه الأردن وواصل حليفه الإيراني دعم الحراك القائم في البحرين وفي اليمن، وغيرها من دول الخليج، وسعت روسيا الى ملء فراغ الانسحاب الأميركي من العراق بصفقة سلاح كبرى مع بغداد. وفي لبنان، الساحة السهلة عليه لكثرة الحلفاء، أبقى المحور الداعم للنظام السوري الوضع الأمني ساخناً، تارة في الشمال وأخرى في البقاع ومناطق أخرى. وعلى رغم أنه وُجد من يُفشل له استخدام كل الأوراق بإحباط مخطط الوزير السابق ميشال سماحة الذي كان يهدف لإحداث تفجيرات لها مفاعيل طائفية ومذهبية، حين وضع فرع المعلومات بقيادة اللواء الشهيد وسام الحسن يده على ما كان يهيئه، فإن هذا المحور تمكن من تحقيق خطوات هجومية، في معرض سياسة الدفاع عن النظام، فكان إرسال طائرة الاستطلاع «أيوب» الى أجواء فلسطين المحتلة، أحد استهدافات هذا المحور في الدفاع عن النظام، إضافة الى استهدافاته الأخرى سواء المتعلقة بالمواجهة الإيرانية – الإسرائيلية أم بصدد التجرؤ اللبناني الداخلي على طرح مسألة سلاح «حزب الله». ولا تخرج عن اللعب بالأوراق الإقليمية، مجاهرة «حزب الله» بقتال عناصر منه الى جانب مناصري النظام في سورية، مهما كانت المبررات التي أعطاها الحزب لهذه العلنية في الإقدام على خطوة كهذه.
وكان من المنطقي أيضاً أن يُصنّف اغتيال اللواء الحسن ضمن عملية اللعب بالأوراق الإقليمية في الوقت الضائع الذي سعى المحور المساند للنظام الى الإفادة منه الى أقصى الحدود بعد أن طال أمده.
يتساوى إفشال الهدنة التي سعى إليها الممثل الخاص المشترك الأخضر الإبراهيمي مع اللعب بالأوراق الإقليمية في الوقت الضائع الذي، بالتعريف، لا يمكن أن ينتج آلية دولية لانتقال السلطة في سورية، فكيف ينتج هدنة في وقت يعتبره المحور وقتاً لتفعيل تلك الأوراق الى حين انتهاء مدة الوقت الضائع؟
وإذا كانت إطالة الوقت الضائع وجد فيها المحور المساند لنظام الأسد فرصة لمراكمة الأوراق الإقليمية، فمن الطبيعي ألا يتخلى عن أوراق موجودة أصلاً. فهل يعقل، أن يقبل بانتقال في السلطة في لبنان بإسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وفي العراق بإطاحة حكومة نوري المالكي، في وقت يرفض انتقالاً في السلطة في دمشق؟ وهل يمكن أن يقبل بالتغيير في هاتين الدولتين، إلا إذا استشرف التغيير في سورية أو أنه سيتمسك بما هو قائم في بيروت وبغداد حتى اللحظة الأخيرة، حتى لو انتهى الوقت الضائع في سورية؟
في الانتظار فإن حديث الفراغ (في لبنان) هدفه تحييد الأنظار عن المسألة الحقيقية
الحياة