صفحات الناس

أطفال الجيش الحر: البنادق ثقيلة… لكننا سنقاتل

ضحـى حسـن

يحمل بندقية فوق كتفه الصغير، مرتدياً ملابس عسكرية في ذلك المكان شبه المهجور إلاّ من عناصر “لواء التوحيد” (أحد الألوية الأساسية المقاتلة في الجيش السوري الحر)، الذين يحمون ما تمّ تحريره من النظام السوري. أحمد البالغ من العمر خمسة عشر عاماً، هو واحد من مقاتلي الجبهة، القاطن على مرأى قنّاصة النظام بين المباني والشوارع المهدمة.

روى لي أحمد حكايته بخجل، وبصوتٍ مُثقلٍ ببحة رجلٍ هرم: “أقاتل في هذه الجبهة منذ عام”. لم يكن هو المقاتل الوحيد في طور البلوغ، ففي الكتائب المعارضة مقاتلون يافعون كثرٌ، تراوح أعمارهم بين ١٥ و١٨عاماً.

قصة أحمد بدأت يوم إصابته جراء قصف النظام بلدته معرّة النعمان في إدلب، ونُقِل على أثرها إلى أحد المشافي الميدانية في حلب، لكنّه لم يتمكن من العودة إلى بلدته بسبب قطع الطريق في ذلك الوقت، فتوجّه إلى الجبهة وانضم إلى “الجيش السوري الحر”. ويضيف الفتى الذي لم ينبت شارباه بعد: “في بداية الثورة شاركتُ في العديد من التظاهرات، لم أكن أفكر في حمل السلاح، إلى أن قتل كثيرون من أفراد عائلتي، وتعرّضت للإصابة في بطني، فحملتُ السلاح لكي أدافع عن بلدي”.

ينتهي الحديث مع أحمد ـــ المقاتل المراهق ـــ سريعاً، إذ كانت الكتيبة بانتظاره لتتحرك إلى نقطة تمركز أخرى. “لن أترك السلاح بعد سقوط النظام، سأبقى مع “الجيش الحر”، الحاج عزيزي (قيادي في كتائب الحر) يعتني بي، والمقاتلون هنا أخوتي، وأنا أحبهم كثيراً”.

حكايات الأطفال المقاتلين في سوريا لم تعد مرتبطة بالقصص التي اعتاد الناس سماعها عن العنف الأسري والاجتماعي، فقد أخذت منحىً آخر. عندما تنتقل مساحة الطفل من الملعب إلى الميدان، من الألعاب إلى البندقية والقنابل، ويتحوّل العقاب من الحرمان من مشاهدة التلفاز بسبب تقصيرهم في دراستهم إلى الاعتقال والتعذيب والقتل، عندها يصبح للمسألة بُعد آخر. “هجم الأمن على مدرستي أثناء محاولتي أنا وبعض الأصدقاء تنسيق تظاهرة داخل المدرسة، ما اضطرني إلى الهرب، وتم فصلي من قبل الإدارة” هذه واحدة من الحكايات التي سمعناها هناك، والتي يتردد ما يوازيها على ألسن الكثير من الفتية المقاتلين.

يقول “أبو النصر”، الإسم الذي أطلقه عليه زملاؤه في الكتيبة، الفتى البالغ من العمر 16 عاماً، من منطقة الحيدرية في حلب، والذي انضمّ إلى “لواء التوحيد” قبل عام ونصف العام تقريباً: “النظام كان يقتلنا في التظاهرات، ونحن لم نحمل ضدهم حتى سكيناً، كنّا نواجههم بأصواتنا وهتافاتنا، وكانوا يردّون علينا بالرصاص والاعتقالات والتعذيب، أتمنى لو كنت أحمل السلاح حينها لكنت قتلتهم كما قتلوا أصدقائي”.

اعتقلت قوات الأمن السوري الفتى “أبو النصر” في فرع الأمن الجنائي في مدينة حلب بسبب مشاركته في التظاهرات، حيث تعرّض لكل أنواع التعذيب. “لم أحمل السلاح فور خروجي من المعتقل، بل بقيت أشارك في التظاهرات، إلى لحظة دخول “الجيش الحر”، وكل ما أريده بعد سقوط النظام أن أكمل دراستي وأصبح إنساناً ناجحاً”.

لم يعد الخوف من الموت هاجساً في المدن السورية المحرّرة. ثمة شيء من اعتياد وجوده بالقرب من الناس. هذه الحقيقة ساعدت في اتساع ظاهرة الأطفال المقاتلين الذين يحاربون مع “الجيش الحر”، فلا فارق بين رجل ومراهق في الميدان، إلا في تلك اللحظات القليلة عندما تقترب منهم وتحدثهم.

“علي” فتى آخر من فتيان الجبهة، كان أكثر قساوة في التعبير. نظر مدافعاً عمّا يقوم به قبل أنّ يُسأل بعد. وبصوتٍ حاد قال: “انظروا إلى كل هذه المباني الخالية، وكل هذا الدمار، نحن نحارب لإسقاط النظام كي يعود السكان إلى منازلهم ويعيشوا في أمان”. علي البالغ من العمر 14 سنة، لا يشبه أترابه الآخرين من أطفال “الجيش الحر”، على الرغم من أنه حمل السلاح قبل شهرين فقط. يتحدث بثقة وبروح مقاتل شرس: “لستُ بعمر صغير لا يخوّلني حمل السلاح، أنا أملك القدرة على القتال، وعلى الرغم من أن عائلتي رفضت الأمر في البداية، إلا أنني لم أصغِ إليهم، وذهبت للانضمام إلى “الجيش الحر”. لم أستطع أن أرى قوات النظام وهي تقتل كل من حولي. كان علي فعل ذلك”. وأضاف: “البندقية ثقيلة على ظهري لكن عليّ أن أحملها وأشارك مع “الحر” الذي يدافع بكل ما لديه من أجل ان تنتصر الثورة، وحينها سألقي بها بعيداً”.

إذا كانت ممارسات النظام وراء الكثير من ظواهر العسكرة التي تشهدها مناطق شمال سورية، فإن غياب الوعي الكافي عند بعض قادة الكتائب والألوية يجعل منهم شركاء بطريقة أو بأخرى في هذه الانتهاكات.

“لقد جاء معظمهم إلينا بعد أن خسروا عائلاتهم، إذ قمنا بالاعتناء بهم، هم أرادوا حمل السلاح لحماية بلدهم ولن نمنعهم من ذلك”، هذا الجواب الذي سمعته من قادة أحد الكتائب المرابطة. معظم الأطفال الذين قابلتهم جاؤوا إلى الكتائب غاضبين وساخطين إثر قصف منازلهم وإبادة عائلاتهم، مندفعين بغريزة الثأر والانتقام “الطفولية” من النظام. طالبوا بالسلاح لتحقيق هدفهم، فما كان من قادة “الكتائب”، إلا أن ضمّوا هؤلاء إلى صفوف المقاتلين البالغين واضعين بذلك حداً لطفولة كانت مرتقبة ولو بعد حين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى