صفحات العالم

«أطلسة» الشرق الأوسط

 

مصطفى زين

لم يتردد الحلف الأطلسي كثيراً في تلبية طلب تركيا نشر صواريخ «باتريوت» على حدودها مع سورية. استجاب الطلب بعد أسابيع قليلة من المفاوضات، وبعد موافقة إسرائيل، وتلبية أنقرة كل الشروط. وهذا أمر طبيعي فالحلف ليس جمعية خيرية، وهو يدرس كل خطوة يخطوها كي تتلاءم مع استراتيجيته، سواء كان ذلك في الشرق الأوسط أو في أوروبا أو غيرها.

وإذا اخذنا في الإعتبار استراتيجيته بعد عامين على «الربيع العربي» والحروب المتنقلة التي تدمر سورية دولة ومجتمعاً، نستطيع تصور شروطه التي لبتها تركيا، باعتبارها جزءاً منه ومن هذه الإستراتيجية.

كي لا نغرق كثيراً في التحليل، يكفي أن نلاحظ حرص الحلف على احتواء «الربيع» من تونس إلى مصر وخوضه الحرب في ليبيا واحتضانه «المعتدلين» رافضي أي حوار مع النظام في سورية واعترافه بالإئتلاف الوطني ممثلاً شرعياً للشعب السوري، ودعمه المسلحين، تمهيداً لنقل سورية من موقع إلى موقع، خصوصاً أن الإئتلاف وقبله «المجلس الوطني»، أبدى تجاوباً كبيراً مع السياسة لساعية إلى إبعاد دمشق عن طهران، بذرائع شتى. وليس أفضل من تركيا للعب دور القابلة القانونية لـ»الربيع» و»أطلسته» فهي على علاقة جيدة مع أصحابه الإسلاميين، وتشكل مرجعيتهم ومثالهم الأعلى أو مرشدهم، خصوصاً «إخوانهم»، فضلاً عن انها لم تخف عداءها للنظام السوري منذ بداية الأحداث، ولم تبخل على معارضيه، مسلحين أو غير مسلحين، بالدعم المادي والمعنوي، وباحتضانهم وتقديمهم إلى الغرب باعتبارهم حلفاء موثوقاً بهم بضمانتها.

نشرت صحيفة «راديكال» التركية أن إسرائيل رفعت الفيتو عن نشر «باتريوت» في تركيا بعدما تلقت ضمانات منها أن الإسلاميين أصحاب «الربيع العربي» سيتابعون سياسة أسلافهم، خصوصاً في مصر، وقد أثبتوا ذلك عملياً بتمسكهم باتفاقات كامب ديفيد، وبدعمهم حركة «حماس» لمغادرة سورية والإنتقال إلى العمل السياسي، ولعبهم دور الوسيط خلال الهجوم الأخير على غزة.

فضلاً عن كل ذلك، تعرف تركيا جيداً أن سورية لن تهاجمها لأسباب كثيرة، أهمها أنها غارقة الآن في دماء أبنائها، وجيشها يخوض حروباً داخلية على امتداد جغرافيتها. وطلبها نشر «باتريوت» على حدودها استعداداً لما بعد انتهاء الأحداث السورية واحتمال إقدام إسرائيل على ضرب إيران واشتعال حرب في المنطقة، بعد تحييد دمشق. وتحسباً أيضاً لحرب قد يشعلها الصراع على النفوذ في العراق. وها هي بوادر هذا الصراع قد بدأت. واتخذت أنقرة موقفاً مسانداً لمعارضي الحكومة المركزية المتهمة بأنها تلعب صلة الوصل بين طهران ودمشق، على مستوى المساعدات ونقل السلاح وفتح الأسواق أمام المنتجات السورية.

«باتريوت» تركيا لردع إيران وحماية مراحل «أطلسة» الشرق الأوسط.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى