كتب ألكترونية

أكيرا كوروساوا: عرق الضفدع/ عبد الكريم قادري

 

 

استطاع المخرج والناقد السينمائي الفلسطيني فجر يعقوب، الذي يعيش في السويد، أن يدخل القارئ إلى عوالم المخرج الياباني العالمي “أكيرا كوروساوا”، عن طريق الترجمة المهنية للكتاب الذي يشبه السيرة الذاتية، والمعنون بـ”أكيرا كوروساوا/عرق الضفدع”، الصادر عن “منشورات المتوسط”، ولقد قرّب المترجم في هذا المنجز سيرة السينما اليابانية ممثلة في مخرجها أكيرا كوروساوا من المُتلقي العربي الذي يكاد لا يعرف عنها شيئا، باستثناء المهنيين طبعا، ما زاد من أهمية الكتاب وقيمته، من هنا كانت ترجمته ضرورة ثقافية، ومطلبا سينمائيا وجب أن يتحقق، لا لشيء سوى أن المخرج “أكيرا كوروساوا”، واحد من الذين تركوا بصمتهم السينمائية في العالم أجمع، بل هناك من ذهب أبعد من ذلك حين تم تصنيفه من خلال الاستطلاع الذي أجري في مهرجان “كان”، بمناسبة الذكرى الخامس والثلاثين لهذا الحدث، أي تم تصنيفه من بين أهم عشرة مخرجين كبار في تاريخ الفن السابع، وطبعا هذا التصنيف لم يأت من فراغ، لأن المخرج استطاع فعلا أن ينقل السينما اليابانية من المحلية إلى العالمية، وجعل كل عشاق السينما ينظرون له من خلالها باحترام ورهبة كبيرين، نظرا لما قدمه لهم، من أفلام باتت مرجعا أساسيا، لهذا كما سبق وذكرت، أصبحت حياته وسيرته الذاتية مهمة للكثيرين، لأنها حتما ستكون مصدر إلهام وقدوة.

يقول المترجم في مقدمته عن هذا الكتاب ويفسر العنوان الذي يبدو بأن فيه نوعا من الغرابة، لكن سرعان ما يزول هذا الغموض بمجرد الفهم: “كوروساوا يترك لنا في “عرق الضفدع” ما يشبه سيرة ذاتية، وأسرار أفلامه اللاحقة، فالكتابة عنده غموض ياباني، تذكرة بالضفدع المتروك في علبة محاطة في داخلها بالمرايا التي تصور له تشوهات صوره وتعددها، فيفرز العرق الذي يتحول إلى نقيع مغلي يساعد على مداواة الجروح والحروق، المرايا كثيرة حول هذا المخرج الإمبراطور الذي يقف وحده في مواجهة “سوني، هيتاشي، سانيو، مازدا، كاسيو” وكل تلك القائمة الكبيرة من الماركات التجارية التي تعتصر ذاكرة الإنسان المعاصر”.

شيء من الصبي/ أشياء من الحلم

لم يكن أكيرا كوروساوا متحمسا لكتابة مذكراته، لأنه كان يعتقد بأن الأفلام التي أخرجها هي التي تتحدث عنه، لأنها تحوي جزءاً كبيراً من ذاته وحياته، وإن كانت تتفاوت من فيلم لآخر، “نصحوني كثيرا أن أكتب مذكراتي، ولم تكن عندي الرغبة لفعل ذلك، ودائما كنت أعتقد أن الأشياء التي تخصني وحدي لا يمكن لها أن تثير أحدا غيري”، لكنه غيّر رأيه فيما بعد، وتراجع عن هذه الفكرة، بعد أن قرأ مذكرات “حياتي وأفلامي” للمخرج الفرنسي جان رينوار، حيث خرج بنتيجة تفيد بأنه لا يريد سوى شيخوخة من شيخوخته، وعليه بدأ في كتابة ما يشبه السيرة الذاتية.

عاش أكيرا كوروساوا حياته بالعرض، يعني أنه خبر الكثير من الأشياء المؤلمة والمفرحة في سن مبكرة، وعايش العديد من التحولات الكبرى التي عرفتها اليابان، فقد كان ينتمي لأسرة قوامها والد عسكري منضبط وصارم، ووالدة حنونة ومتفهمة، وإخوة محتوون، رغم هذا لم يكن انضباط والده حجر عثرة في حياته، بل دافعاً مهماً ليكون ناجحا.

حياة كوروساوا في السنوات الأولى من حياته لم تكن تسير في الطريق الصحيح، غير أنها كانت دافعا قويا له ليكون شخصا مميزا، نظرا إلى سخرية زملائه التلاميذ منه حين كان في الإعدادي، لصغر بنيته الجسدية، ونموه وإدراكه البطيئين، لكن سرعان ما تبددت هذه السخرية مع الوقت والسنوات، وأصبح يشاكس في الصف، ومصدر بلاء في الكثير من الأحيان، “كنت بريئا حتى الغباء، أقوم ببعض البلاء في المدرسة، وأرفع يدي مباشرة عندما يسأل المربي: من المسؤول عن هذه البلوى؟ يفتح دفتره بهدوء ويسجل صفرا في السلوك. مرة جاء مربّ جديد، واصلت أنا في اعترافاتي عنده عن كل ذنوبي، وكان يقول إنني أمضي بالاتجاه الصحيح، فأنا لا أتهرب من المسؤولية ويضيف إلى سجلي مائة عن السلوك، لا أعرف من هو المحق، لكن المربي الذي كان يضيف “المئات” يعجبني أكثر بطبيعة الحال”.

وسط كل هذا كان هناك دائما الدافع القوي من الأسرة التي دعمته من كل جانب، خصوصا والده الذي كان يأخذه إلى دور السينما، لأنه كان يحمل وعيا كبيرا بهذا الفن، ويعتبره أداة من أدوات المعرفة، وهناك تعرف أكيرا على العديد من الأفلام الكوميدية، التي كان يحبها، على عكس أفلام الدراما التي لم يكن يطيقها، حتى أنه كان يحتج على عرضها في الكثير من الأحيان، لكن الحياة لم تكن بالنسبة له مآسيَ وأفراحاً تعكسها الأفلام، بل الواقع كان بطلا  واقعيا، فقد كان شاهدا على العديد من المآسي، سواء تلك التي تتعلق به كطفل، أو التي تجري حوله في اليابان، والتي نقشت في ذاكرته ولم تُمحَ، مثل الحادثة التي وقعت لكلبه الأبيض، “أذكر جيدا، شيئا واحدا كأنه لا يزال ماثلا أمام عيني، مكان الحدث: تقاطع طريق تقطعه سكة حديدية، أبي وأمي وأخواتي يقفون خلف الحاجز في الجهة المقابلة، وأنا أقف في الجهة الأخرى وحيدا،  كان يعدو بيننا كلبنا الأبيض، سعيدا فرحا ويهز ذيله، قطع السكة مرات عديدة، وحدث أنه اتجه نحوي مع ظهور القطار، أغمضت عيني وعندما فتحتهما كان القطار قد مرّ، لأرى الكلب مقطوعا إلى نصفين”، ورغم أن عائلته حاولت تخفيف الصدمة عنه، حيث أحضرت له كلبا أسود، غير أنه لم يقبل به.

من جهة أخرى، كان شاهدا على الزلزال الكبير الذي ضرب اليابان سنة 1923، وسنّه وقتها لم تتجاوز 13 سنة، وفي نفس الوقت عرف خبث النظام، الذي استغل هذه الحادثة والفوضى التي خلفها، وقام بتصفية خصومه اليساريين واحداً تلو الآخر، عن طريق عمليات منظمة، أظهرتهم كضحايا للزلزال، وهذا من الأشياء التي بقيت محفورة في ذاكرته.

البحث عن الذات

في بداية حياته، انخرط أكيرا في العديد من الحركات الفنية والأدبية اليسارية، فناناً ورساماً، حتى وصل به الأمر إلى نيابة رئاسة تحرير إحدى الصحف اليسارية السرية، لكنه سرعان ما خرج منها، لأنها لم تعكس ما كان يصبو إليه، ناهيك على أن الرسم لم يكن يعكس ما بداخله، بل اتخذه فقط إرضاء لوالده الذي كان يوفر كل شيء من أجل أن يتميز، خصوصا بعد أن تم رفضه من معهد الفنون، بعدها بفترة لم يجد ما يقتات منه، ولم يجد مكانا يأوي إليه، بعد أن استقل عن أسرته، لهذا ذهب إلى أخيه “هييغو” الذي كان يستأجر غرفة، وعاش معه فترة قصيرة، كي يعيد ترتيب حياته من جديد، وقد كان هذا الأخ يشتغل كمفسر أفلام في عهد السينما الصامتة، وأصبح مدير المفسرين في إحدى قاعات السينما، وقد ذكر أكيرا بأن الفضل يعود لهذا الأخ في اكتشاف العديد من الأفلام المهمة التي شاهدها في بداياته، حيث كان يقدم له قائمة بالأفلام المهمة، خصوصا أن له ذوقا خاصا في السينما، لكن بعد أن دخلت السينما عهدا جديدا، على إثر اكتشاف الصوت، تم التخلي عن المفسرين، وعليه قام هؤلاء ومن بينهم “هييغو” بشن إضراب عام، بعد فترة اكتشفوا أن الإضراب لا يجدي، ومن هنا انتحر “هييغو” وهو في سن الـ27، لأنه كان يقول دائما إن الشخص الذي يتجاوز سن الثلاثين يصبح أبلها.

يعود الفضل في علاقة أكيرا كوروساوا بالسينما إلى والده أولا، الذي لم يكن يبخل عليه بأخذه لحضور الأفلام، وثانيا، إلى أخيه “هييغو” المثقف والقارئ النهم والنشيط، وقد كانت بدايته الفعلية مع السينما عبثية بدرجة كبيرة، حيث قرأ إعلانا في إحدى الصحف، عن نية إحدى شركات الإنتاج فتح مسابقة لاختيار مساعدي إخراج، وقد شارك أكيرا في هذه المسابقة، نجح في الامتحان الأول الكتابي، والثاني من خلال المقابلة، إلى أن تم تعيينه مساعد مخرج ثالثاً، رغم تردده في بادئ الأمر، غير أن والده شجعه كثيرا، وقال إنه لن يخسر شيئا من التجربة، ومع الوقت تقدم في العمل، إلى أن أصبح مساعد مخرج أول، وقد تحدث أكيرا في هذا الكتاب، عن الأهمية الكبرى التي يحملها مساعد المخرج، وأن هذا الدور لا يجب أن يستهان به أبدا، لأنها مهنة مستقلة، وتحمل في طياتها الكثير من الإثارة، ولقد سمحت له هذه المهنة بالاحتكاك بالعديد من المخرجين، إلى أن شرب مهنة السينما، وتعلم مفاصلها، وكان يرى أن أي شخص يتطلع إلى الإخراج عليه أن يمر بالعديد من المراحل، وتعلم العديد من المهن التي تعتبر مفاصل السينما، من بينها كتابة السيناريو، والمونتاج، وحسن إدارة الممثل، وهي أشياء تعلمها كوروساوا من خلال مزاولته مهنة مساعد مخرج لسنوات، وقد كتب وقتها العديد من السيناريوهات، قبل أن يدخل عالم الإخراج.

العالم كله وطني

“في أي بلد أحل به، لا أحسّ بنفسي غريباً، مع أنني لا أعرف لغة أجنبية واحدة. الكرة الأرضية هي مسقط رأسي، ولو رأى بعضهم المآسي التي ترتكب بحق البشرية في هذا العالم لتوقفوا عن الزعم بخصوص مسقط الرأس”.

كان أكيرا يؤمن بأن العالم كله وطنه، وفي نفس الوقت لا يؤمن بالحدود الجغرافية التي رسمها البشر، ورغم هذا فإن أفلامه حافظت على محليتها، ونقلت للعالم عادات اليابان وتقاليدها وهويتها، من هنا شكّلت بصمتها وتميزها، ونالت قبولا كبيرا بين جميع الأوساط، حتى إن العديد من أفلامه تم اقتباسها، وأصبحت تحمل نكهة أخرى، ناهيك عن حصوله على أعلى الجوائز وأرقاها، من السعفة الذهبية، إلى الأوسكار، والعديد من الجوائز الأخرى، كما تم تكريمه في بلدان عدة بأعلى الأوسمة، التي لم يحصل عليها سواه.

*ناقد سينمائي من الجزائر

ضفة ثالثة

 

لتحميل الكتاب

 

الرابط الأول

 

أكيرا كوروساوا: عرق الضفدع

 

أو من الرابط التالي

 

أكيرا كوروساوا: عرق الضفدع

 

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى