صفحات العالم

ألاسد في مواجهة التاريخ..الهزيمة حتمية


د خليل قطاطو

يواجه الرئيس (حتى الآن) السوري شعبه بالاسلحة الثقيلة، ويدك البيوت بالمدفعية متناسيا عراقة هذا الشعب وتاريخه معتقدا ان ارهابه كفيل باجهاض ثورتهم. هذا الشعب قارع الغزاة بامكاناته المتواضعة وطردهم مرارا من ساحاته. اما العظماء فلم يحلوا لهم الراحة بعد عناء المعارك الطاحنة، الا فيها، وان يدفنوا فيها بسلام.

ها هو بلال، لا فض فوه، يصدح بصوته، بالآذان، امام معلمه، يريحهم بها. اثار السياط تملأ ظهره، لا يلين، يعلم الدنيا كلها الصبر والثبات. لا يجد غير دمشق لينام تحت ثراها، منتظرا لقاء ربه وحبيبه. بلال، يصدح الآن بصوته من على مآذن الميدان والمزة والقابون، حي على الجهاد.

الناصر صلاح الدين يجوب على حصانه كل بقاع الشام، يوحد الأمة بعد ان اعلنت كل مدينة نفسها امارة او مملكة، تتحالف مع الغزاة، وتقاتل اخواتها. ينازل الغزاة، يتوجها في حطين ليقر بها عين عمر، فاتحها الاول. علمهم كيف تكون الشجاعة، والمسامحة معا. حين حان وقت الراحة الابدية، لم يجد بقعة اجدر به غير جوار نور الدين زنكي في دمشق. الملك الناصر يسمع اصوات المتظاهرين في احياء دمشق وضواحيها. يمتطي حصانه، يطوف ليلا على الثوار,يشحذ هممهم، ويقدم لهم الماء والزاد والدواء بعد ان حرمهم منها بشار وجنوده.

خاض اكثر من مائة معركة. انتصر فيها جميعها. شجاعا، مقداما، قائد عسكري فذ، فريد. كان يشبه عمرالذي قال عنه: ابو سليمان، على مثله تبكي البواكي. صار جسده مسرحا لطعنات الرماح والسيوف. تمنى الشهادة ولم يحظ بنيل شرفها. قبل رحيله علم الجبناء دروسا في طرد مهابة الموت من النفس. في حمص كان مثواه. هب لينال الشهادة. استشهد اكثر من الفي مرة، وما زال يقاتل ويستشهد كل يوم منذ احد عشر شهرا، في الانشاءات، الخالدية، حي السباع وبابا عمرو.

واجه الفرنسيين برجالات قلائل ولكن اشداء. العدد لا يهم. وتذكر بيت ابي الطيب : لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى حتى يراق على جوانبه الدم. في ميسلون كانت الملحمة، وفي دمشق كان مرقده الاخير. ها هو يخطب في الحشود في مضايا، دوما، دارين، عربين والزبداني: قاوموا الظلم أيا كان مصدره. في معارك الشرف، لا مكان لحسابات الربح والخسارة. يناشدهم ان تبقى السماء هي حدود مطالبهم، اذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم. بشار الاسد مستحيل ان يهزم يوسف العظمة.

في معرة النعمان يرقد رهين المحبسين، الثائر على كل التقاليد والاعراف (وحتى الاديان). الفيلسوف الضرير، يرى المظاهرات في ادلب ومسقط راسه (لزوم) ويرى الرصاص المنهمر على هامات احفاد احفاده (ما لا يلزم) فينشد شعرا متجددا هذا جناه بشار علي وما جنيت على اسد.

ظن بشار انه وازلامه وشبيحته بخير ما دامت الفيحاء (جلق) والشهباء ساكنتين. امتدت شـــرارة الثورة من ضواحي دمشق وريفهـــا الى قلب العاصمة، ثم ما لبثت ان افاقت الشهباء على وقع المجازر في المدن الشقيقة. نهض سيف الدولة وعلى يمينه ابي الطيب وعلى يساره سيف الدولة. امتشقوا سيوفهم. هذه المـــرة بدلا من ان يتجهوا شمالا حيث الروم(وقد زالوا) اتجهوا جنوبا حيث الطغمة الفاسدة التي عاثت في الارض فسادا، قتلا وسجنا وتعذيبا ونهبا.

السوريون، احفاد اولئك العظام، في دمائهم الاباء والشجاعة والاقدام، كيف للرصاص ان يرهبهم، وللسجون ان تثني عزائمهم؟ قتل بشار المغني، فاذا بكل مدينة تلد عشرات المغنين والشعراء، مستعدين ان يكونوا قرابين على مذابح الحرية. لا غرابة ان يتسابق الاحفاد الى ساحات الحرية (والشهادة) كما الى حفلات الاعياد والزفاف. عبق التاريخ يحول رائحة الدم في الساحات الى مسك. الروم والصليبيون والمغول رحلوا صاغرين. لماذا يشك الناس ان هذا الطاغية (الصغير) عصي على الرحيل ؟!. بشار هذا في معركة مع التاريخ. الاسد الصغير، نسي ان يعلمه الاسد الكبير ان التاريخ دائما ينتصر، دائما.

‘ كاتب فلسطيني

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى