ألغام تزنّر وقف إطلاق النار في سورية/ خالد غزال
لم يكن اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، الذي وُقِّع بين روسيا وتركيا وبعض فصائل المعارضة، الأول من نوعه، ولن يكون الأخير بالتأكيد. على رغم ما يحمله الاتفاق من إيجابيات تتصل بإعطاء السوريين فرصة للتنفس وتوقف سفك الدماء، إلا أن التجارب السابقة، وطبيعة الاتفاق والقوى الموقعة عليه، تطرح كلها علامات استفهام عن مدى صموده أولاً، وعن قدرته على فتح طريق لتسوية سياسية تنهي الحرب الأهلية. فالاتفاق محاط بألغام متعددة قابلة في أي وقت لتنفجر به وتجعله أشلاء.
في الشكل، وبعدما أمكن روسيا حسم معركة حلب، تقدم نفسها راعية لوقف إطلاق نار شامل على الأرض السورية، توجته بموقف دولي إجماعي من مجلس الأمن. لعل الدافع الرئيس الذي جعل روسيا توقف المعارك العسكرية عند مدينة حلب هو شعورها بأن الرمال السورية توشك أن توقع بها وتدخلها في أفغانستان أخرى. لذا تتصرف من موقع المنتصر القادر على فرض شروطه. أما تركيا، وبعد أن طاشت جعجعات أردوغان تجاه سورية، وانتقلت النيران الى أراضيه، رأى أن دخوله مع روسيا يعطيه في الشكل موقع صاحب نفوذ في الأزمة السورية، ويمكن أن يوقف الاندفاعة الكردية التي تهدد فعلياً تركيا من الداخل. خارج هذين الطرفين، هناك أسئلة عن موقع سائر القوى ذات الصلة بالأزمة السورية. تراقب الولايات المتحدة الوضع السوري وتطوراته من دون أن تحرق أصابعها في نيرانه. لم يبد على أميركا الاحتفاء بالاتفاق أو السعي الى تطبيقه. يصعب أن تترك أميركا الملعب كاملاً لروسيا، وسيكون في مقدورها تحريك قوى تطيح الاتفاق عندما ترى أنه تجاوز على مصالحها. حتى الآن، لا يبدو منها موقف سلبي يهدد بتفجيره من الداخل.
الألغام الكبرى تعود الى كل من النظامين السوري والإيراني والميليشيات التابعة لهما. في كل ما ظهر حتى الآن، لا يبدو أن النظام السوري موافق عملياً على الاتفاق، فهو يرغب في تواصل العمل العسكري والمزيد من التدخل الروسي في سائر المناطق السورية لهزيمة التنظيمات المسلحة و «تكنيسها» من الأرض وتسليم هذه المناطق الى النظام. لم يتأخر النظام في رفض الاتفاق عبر تواصل الهجمات على قوى المعارضة، ما دفعها الى إعلان وقف المحادثات المزمع حصولها في العاصمة الكازاخانية خلال هذا الشهر. قد يتدخل الروس لوقف الهجمات، لكن النظام سيظل قادراً على خرق الاتفاق بوسائل متعددة منها عبر الميليشيات التابعة له، ومن دون أن تكون أصابعه ظاهرة. في كل حال، كان تصريح وزير الخارجية وليد المعلم معبراً عن رفض الاتفاق حين قال: «إن الحديث عن الحلول السياسية مجرد عبث إضافي».
اللغم الآخر المؤثر هو الآتي من إيران التي أُبعدت عن الاتفاق، بل فرض عليها، واضطرت الى القبول به شكلاً. تتقاطع مصالح النظام السوري مع الإيراني في رفض الحلول السياسية والإصرار على الحسم العسكري، لأن ايران تعتبر أن ما بدأته على صعيد الفرز الديموغرافي وتسييج مناطق نفوذها بقوى مذهبية تشكل قاعدة سيطرتها في سورية، هذه المهمة لم تستكمل بعد، وتحتاج إيران الى مزيد من الصراع العسكري وتطهير مناطق معينة تدخل في مشروعها داخل سورية. لذا يمكن إيران وبواسطة ميليشياتها اللبنانية والعراقية، إطاحة الاتفاق في وقت تراه مناسباً. لا تقل الألغام التي تمثلها تنظيمات المعارضة خطورة عن إيران وسورية. في الأصل، هناك تساؤل عن مدى تمثيل الفصائل التي وقعت الاتفاق مجمل قوى المعارضة وتشكيلاتها المسلحة. كما يطرح سؤال سبق أن واجهه وقف إطلاق النار سابقاً حول مقاييس التمييز بين «داعش» و «النصرة» من جهة، وبين سائر التشكيلات العسكرية الموجودة على الأرض بأعداد غفيرة. فهل ستلتزم كل التشكيلات بما قررته بعض الفصائل وتوقف إطلاق النار؟ سؤال محيّر حول من يضمن هذا الالتزام. ويمكن الذهاب الى أن أحد الأهداف مما يجري هو تفجير حرب أهلية بين التشكيلات الموجودة، وبين من وقع على الاتفاق أو رفضه. حتى الآن، لا تبدو الصورة جلية لكيفية تنفيذ الاتفاق من جانب الميليشيات المناهضة. فالتشكيلات العسكرية متداخلة في شكل يصعب التمييز بينها، وهو ما سيجعل المعارك على تنظيمي «داعش والنصرة» تمتد لتطاول التنظيمات الأخرى، ومن بينها تلك الموقعة على اتفاق وقف إطلاق النار.
كما أثبتت التجارب السابقة سواء في سورية أو قبلها في لبنان، فإن قرارات وقف إطلاق النار هي في الأساس قرارات سياسية مع وجود بعد تقني لها. وإذا لم تكن هذه القرارات مسيّجة باتفاق سياسي يرضي مصالح جميع القوى على الأرض، فسيكون من الصعب جداً صموده. فهل سيشكل هذا الاتفاق مدخلاً لتسوية تنهي الحرب الأهلية في سورية؟ التوقعات السلبية لا تزال طاغية على أي توقعات إيجابية.
* كاتب لبناني
الحياة