صفحات العالم

ألم يتعظ «الأسد» من نظام انتهى مع الجرذان؟


إكرام عبدي

ما زال النظام الأسدي على مدى أحد عشر شهرا يتفنن في صنع الموت بسوريا، ويتفاخر أمام العالم بقعوده فوق تل من الجماجم، ويبتهج بإنجازاته التدميرية والقمعية التي حققها ووالده وعائلته على مدى خمسين سنة بوجه خال من حمرة الخجل، اللهم إلا الإصرار على التضليل والتمويه والكذب والعنجهية والتنكيل بالشعب بالسوري الأعزل الذي وصل اليوم إلى ثمانية آلاف قتيل سوري، حيث المقابر تحفر سلفا استعدادا لاحتضان الجثث، وحيث الموت طليق حر في شوارع حمص والكثير من المدن السورية، بعدما كان في المعتقلات السرية وفي المقابر الجماعية، وحيث المعتقلون يساومون من طرف سماسرة الأرواح لإطلاق سراحهم بمقابل مادي ليعتقلوا فيما بعد.

لم يشأ بشار الأسد أن يصيخ لنصائح أردوغان الذي دعاه لعدم اقتفاء خطى الوالد القمعية ومحو آثار مجزرة حماه في فبراير (شباط) 1982. لم تثنه قرارات جامعة الدول العربية بتعليق عضويته وتوقيع عقوبات سياسية واقتصادية ضده، ولا قرارات مجلس التعاون الخليجي بسحب سفرائها من سوريا، ولا المواقف التونسية والمصرية والمغربية الصارمة. وإن كان الشارع العربي عامة، والمغربي على وجه الخصوص، يتفاعل وبقوة مع الشعب السوري، ويدين بشدة المجازر المرتكبة في حق الشعب السوري ويطالب برحيل السفير السوري من أرض المغرب، مطلب تقدم به المركز المغربي لحقوق الإنسان للحكومة المغربية، كما عرفت مدينة طنجة المغربية أضخم مسيرة تضامنية مع الشعب السوري.

آلة العدوان السوري لم يوقفها حتى الموقف الأميركي الصارم الذي عمل على تجميد الأصول المالية العائدة للنظام السوري ووقف استيراد النفط من سوريا ووقف التعامل مع استثمارات أخواله آل مخلوف، بل استمر «الأسد» في غيه، ينفخ أوداجه ويحتمي بإيران التي تبعث ببوارجها لنصرة الطاغية، عوضا أن تتركها لنفسها كي تقي نفسها شر هجمة أميركية – إسرائيلية وشيكة بعدما أوشكت على الدخول إلى نادي الدول المالكة للسلاح النووي، ويحتمي أيضا بموسكو القيصرية وبالصين التي فطنت أخيرا أن مصالحها ليست مع نظام أسدي فاشستي، بل مع ثورات وأنظمة عربية قادمة.

لم يشأ بشار أن يتعظ من نظام ليبي انتهى به تاريخه الديكتاتوري في المجاري مع الجرذان، لكونه ورث وهم الخلود من والده، فقط قام بتشبيب هذا الإرث ببعض الخطابات الفضفاضة من قبيل الحداثة والتغيير والإصلاح، وأخذ هذا الوهم يكبر رويدا رويدا ككرة الثلج ليجرف شعبا بأكمله، لا ذنب له سوى أنهم صبروا لزمن طويل على فظائع الأسد الوالد والابن. ومن الأجدر بالشعب العربي من اليوم فصاعدا أن يقوم بإجراء اختبار نفسي لحكامهم قبل جلوسهم على كرسي الحكم؛ لإثبات خلوهم من مرض جنون العظمة والتسلط والحكم الدائم، أو ربما أن هذا الجنون يكبر مع التقادم فوق كرسي الحكم، ويتعاظم في كل مرة يبصر فيها الحاكم وجهه في المرآة، حتى يغرق في انعكاسه ويتماهى معه بانتشاء ولا يستفيق إلا وهو بين المجاري يتمرغ في وحل الذل والهزيمة.

الموقف الأميركي الذي لم يشأ التدخل في سوريا عسكريا مثلما تدخل في ليبيا وأفغانستان قد يثير الكثير من الاستغراب؛ لكنه موقف طبيعي في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها أميركا بعدما استنفدت قوتها العسكرية في العراق وأفغانستان وليبيا، بشكل يجعل تدخلها في سوريا مجازفة ومغامرة غير محمودة العواقب، والحقيقة أن التدخل الأجنبي لا يمكن إلا أن يزيد الطين بلة، وخاصة أن سوريا من الدول العربية التي تتوفر على أكثر من خمسين طائفة أهمها العلويون والدروز والسنة والمرشديون، والتدخل الأجنبي يمكن أن يدخلها في نفق مسدود وفي جحيم حرب طائفية قد تريق المزيد من الدماء.

وسوريا اليوم كباقي الدول العربية التي عاشت الربيع العربي في حاجة إلى حوار ومصالحة وتكتل بين جميع الأطياف الدينية والسياسية، كما أن الثورات العربية انبجست في دول إسلامية سلفا. لهذا فهي ليست بحاجة لمن يبشرها بالدين الإسلامي وليست بحاجة إلى التكفير والترهيب، فالجوع كافر، والمرض كافر، والفقر كافر، والذل كافر، كما يقول زياد الرحباني.

الثورات العربية في حاجة للمضي إلى أفق تنويري رحب وليس إلى أفكار ظلامية تقبر كل تضحيات ومعاناة الثورات العربية، واستحضر حزبا قرأت عنه تشكل مؤخرا في باريس اسمه «حزب سوريا للجميع» أسسه رجل الأعمال السوري محمد عزت خطاب، يأمل في حل الأزمة السورية من بوابة الاقتصاد وتحقيق الكثير من المنجزات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لسوريا. وضع يده على مكمن الجرح، ودعا إلى أهمية تحقيق الحوار الديني والسياسي وحماية سوريا من أي تدخل أجنبي وتجنيب سوريا النزاعات الطائفية طبعا بعد العمل على إيقاف نزيف الدماء، وإن كان هناك من يعتبر أن الصراع الطائفي لا وجود له، بل هو صراع مصالح وقوى فقط، وأن التعايش بين المذاهب والطوائف جزء من الذاكرة الثقافية العربية وليس وليد اللحظة، وأن هناك من يستغله لتأجيج الصراع وأحداث التشققات. فنجاح ثورة سوريا وباقي الثورات العربية لا يمكن أن يتم إلا من الداخل وبالحوار والإنصات والتكتل وبعيدا عن النعرات الطائفية والمذهبية، وبعيدا عن الأفكار الظلامية المناغية للعصور الغابرة، وبعيدا عن العنف الأعمى الذي لا يمكن أن يولد سوى المزيد من العنف.

* كاتبة من المغرب

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى