أميركا في سوريا: عودة بمسارين؟
مازن السيّد
أطلقت شهادات قادة البنتاغون أمام الكونغرس الاميركي الخميس الماضي، موجة سياسية وإعلامية سلّطت الضوء على الرئيس باراك اوباما كعائق أمام خطط من وزارتيه للخارجية والدفاع بتسليح المعارضة السورية في الداخل. وفيما تشير مصادر مطّلعة على حراك الدبلوماسية الأميركية في المنطقة، إلى توجهات “جديدة” في واشنطن ازاء الملف السوري مع تشكّل أركان الإدارة الجديدة، تستمر مبادرة معاذ الخطيب بالتبلور “دبلوماسياً” مع العمل على إحداث لقاء بينه ومحاوره المنتقى فاروق الشرع، في حين يردّ النظام عليها باشتراط “القاء السلاح”.
وزير الخارجية الأميركي جون كيري قال في أول مؤتمر صحافي له إن الإدارة الأميركية “الجديدة”، تجري “تقييماً” للوضع في سوريا، والنظر في “الخيارات، وخاصة الدبلوماسية منها” التي يمكن لأميركا اتباعها “لتخفيف مستوى العنف”.
إلا أن اللافت في تصريحات كيري، كان تعبيره الواضح عن الامتعاض من أطراف “خليجية” ترسل السلاح إلى سوريا، ومن تنامي دور “جبهة النصرة” ميدانياً. كيري رفض العودة إلى تصريحات وزير الدفاع السابق ليون بانيتا ورئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، عن الخلافات الداخلية في الإدارة حول تسليح المعارضة السورية، مشدداً على “النظر إلى الأمام” وعلى عنوان “ولاية اوباما الثانية”.
فهل نرى في ذلك توجهاً نحو المزيد من المؤازرة ل”الحلّ السياسي” على قاعدة مبادرة الخطيب وقبوله مفاوضة أطراف بعينها داخل النظام السوري؟
في القاهرة، التقى الأخضر الابراهيمي الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي تحت عنوان العمل على ترتيب لقاء بين الخطيب والشرع. وقد يبدو ذلك أقلّ استحالة مما كان ليبدو قبل أشهر، خاصةً وأنّ ترتيبات سابقة قد مكّنت الخطيب من عقد لقاءات مع مسؤولين قد يكونوا من موقع أعلى من الشرع في النظام السوري، مثل وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي ونظيره الروسي سيرغي لافروف.
وفيما انتهت الأحد المهلة التي أعطاها الخطيب للنظام مطالباً إياه بإطلاق سراح المعتقلات، ردّ النظام على لسان نائب وزير الخارجية فيصل المقداد بالقول إنه “من المهم جداً القاء السلاح” قبل الدخول في “الحوار الوطني” الذي حدّده على أساس ما بات يسمى في أدبيات النظام “البرنامج”، في إشارة إلى خطاب الأوبرا الأخير للرئيس بشار الأسد.
في المقابل، تقول مصادر دبلوماسية مطّلعة ، إنّ توجهاً جديداً في الإدارة الأميركية قد يسفر قريباً عن دعم لما يسمى ب”هيئة الأركان الموحدة” والتي انبثقت في تركيا العام الماضي عن جهود لتوحيد كتائب “الجيش الحر”، ولم تفض حتى الآن الى أي تغير ميداني نحو ذلك الهدف المعلن، في ظل تواطوء قوى كثيرة كان الخطيب نفسه قد فضحها ولفت إلى قفزها فوق المعارضة السياسية في اتجاه إقامة علاقات مباشرة مع المسلحين في الداخل وتشتيتهم.
هذه الأنباء، لا تعني أن الأميركيين وحلفاءهم قد اختاروا العودة منهجياً إلى الملف السوري من باب التسليح وشنّ حملة لإسقاط نظام الأسد منهجياً، بل تعني إن صدقت أنّ واشنطن تسعى لتعزيز بطاقات المعارضة التفاوضية عبر الايحاء على الأقل بتوجهها نحو تصعيد الدعم للثوار.
براغماتيةً تبدو سياسة الإدارة الثانية لاوباما، في مساحة مصالحها الرمادية بين العزلة والامبراطورية. أما مقاربتها المتبلورة اليوم ازاء سوريا فتبدو كالتالي: دعم المسار التفاوضي، بالتزامن مع العمل على استمالة جزء من السلاح السوري المعارض؛ فإمّا تحلّ “الازمة” سياسياً أو ينفجر الدم أكثر ويكون لأميركا حلفاء بين حملة البنادق.
لافروف قال الأحد إن روسيا لن تعيد تكرار أفعالها السابقة في افغانستان لحماية مصالحها في “الشرق الأوسط”. يبقى أن نعرف أي موقع تتخذه واشنطن بين تجربتيها الأفغانية الماضية والسورية الآتية، لنبدأ في البحث عن النسخة السورية لاحمد شاه مسعود.
المدن