أميركا وأوروبا: تناقض وتنافس حيال سوريا
موقف كيري ضغط على المعارضة لتوحيدها
روزانا بومنصف
تصدر واجهة التطورات المتصلة بالوضع السوري مع بداية السنة الثالثة لانطلاق الثورة في سوريا في 15 آذار كشف ديبلوماسيين في الامم المتحدة تكثيف ايران مساعداتها العسكرية للنظام السوري عبر العراق ولبنان بالتعاون مع روسيا واعلان كل من باريس ولندن عزمهما تزويد المعارضين السوريين الأسلحة بمعزل عن توافق دول الاتحاد الاوروبي على نحو يؤكد سيطرة التصعيد في الوضع السوري على اي أمر آخر. فيما برز موقف لوزير الخارجية الاميركي جون كيري أعلن فيه ان تشكيل حكومة انتقالية في سوريا يحتاج الى توافق بين الاسد والمعارضة استناداً الى اتفاق جنيف لمجموعة العمل حول سوريا في 30 حزيران 2012 في تحول اعتبره كثر لمصلحة النظام وانسجاماً اكثر مع وجهة النظر الروسية في هذا الاطار. كما انه شكل وفق هؤلاء رداً على اتجاه غالبية فئات المعارضة السورية الى تأليف حكومة موقتة جرى تأجيلها من موعد الى آخر وانفجرت الخلافات ضمن الائتلاف السوري المعارض بسبب موضوع الحكومة الموقتة وعلى نحو يدعم معه كيري موقف رئيس الائتلاف معاذ الخطيب كما في مبادرته التحاور مع ممثلين عن النظام. وتزامن اعلان كيري موقفه مع اعلان مدير الاستخبارات الوطنية الاميركية في شهادة له أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ جيمس كلابر قبل يومين “ان تآكل سلطة النظام السوري تتسارع” على نحو يثير التساؤلات في ما اذا كان يتعين على واشنطن انتظار بعض الوقت الاضافي على هذا الصعيد بما قد يحمل الرئيس السوري على تغيير حساباته قسراً في ضوء هذه المعطيات.
يعتبر مراقبون ديبلوماسيون كثر ان مآل الوضع في سوريا يتصل بالولايات المتحدة مع روسيا اكثر منها بالاوروبيين الذين يعتبرهم أصحاب الرأي في العالم العربي متأثرين بالاميركيين وغير منفصلين عن سياستهم بحيث ان ما لا يريد الاميركيون القيام به انما يقوم به الاوروبيون بالنيابة عنهم، وفق ما يعتبر هؤلاء. لكن المواقف الغربية المعلنة، اي الاميركية والاوروبية، تتناقض وتتنافس بحيث يغدو صعباً معرفة أين مكامن التوافق بين هذه المواقف وأين نقاط التناقض على غرار الموقف الأميركي الأخير من الحكومة الموقتة التي تفضلها واشنطن انتقالية، وفق ما أعلن كيري في حين شجعت فرنسا المعارضة السورية على تأليف حكومة موقتة واعلنت انها ستكون أول من يعترف بها في حين تفيد بعض المعطيات ان بريطانيا تعمل على عدم دفع المعارضة الى تأليف حكومة موقتة بذريعة الحذر من تكرار تجربة العراق في سوريا.
وهذه المواقف تظهر وفق مصادر ديبلوماسية متابعة وجود أزمة تواجه الولايات المتحدة واوروبا معاً في سوريا ازدادت حدّتها مع المرحلة التي اصبح عليها الوضع، ان لجهة ازدياد عدد القتلى الى ما يقارب المئة ألف او ارتفاع عدد اللاجئين السوريين الى دول الجوار وتأثير الازمة على هذه الدول او لجهة تصاعد نفوذ الاسلاميين المتطرفين والسلفيين على حساب المعتدلين في ضوء التقارير التي تتحدث عن ان سوريا باتت الوجهة المفضلة لهؤلاء بدلاً من باكستان او سواها. فالارباك الاميركي هو نتيجة وجود رغبة بالانتهاء من النظام لكن من دون ان يؤدي ذلك الى تسلم الاصوليين الذين يزداد التركيز الاميركي في شكل خاص على تصاعد دورهم على حساب المعارضة المعتدلة الحكم مكانه. وهذه نقطة الالتقاء الرئيسية بين الاميركيين والروس منذ ما لا يقل عن ثمانية أشهر بحيث يعتقد الطرفان ان توقيت تطيير النظام في هذه المرحلة سيؤدي الى تسلّم السلفيين الحكم. وبحسب هذه المصادر فان النظام مات سريرياً لكن اعلان وفاته مرتبط بواقع ان المسؤول عن حصر الارث يرفض اجراءه لئلا ترثه المعارضة الداخلية الاسلامية. ولذلك يتم الضغط اميركياً على المعارضة من اجل توحيد نفسها وتعتمد واشنطن في ذلك على الدول العربية المؤثرة على المعارضة من أجل ان تتوحّد واعلان الجامعة العربية اعطاء مقعد سوريا الى المعارضة في قمّة الدوحة المقبلة هو التحدي الابرز من أجل الاسراع في هذه الأجندة. كما أعلن وزير الخارجية الاميركي في مؤتمر روما الأخير الذي عقد في 28 شباط الماضي عن تقديم مساعدات الى المعارضة المسلحة المعتدلة مباشرة علماً ان الوضع قد لا يكون بهذه السهولة لجهة القدرة على انتزاع التأثير من جبهة النصرة او سواها من التنظيمات الاسلامية التي تعتبرها واشنطن ارهابية او متطرفة كما ان هذه المسألة تحتاج الى الوقت من أجل بلورة خروج المعارضة المعتدلة أكثر قوّة. وهذا الرهان تراه المصادر صعباً ويستغرق وقتاً طويلاً خصوصاً ان المزيد من التدهور على الارض والقتل اليومي يساهمان في تقوية المتطرفين. ولذلك تعتقد هذه المصادر ان الولايات المتحدة ومعها الغرب عموما في حال تخبط بين الجهوزية لاسقاط النظام وتأجيل ذلك لعدم استفادة السلفيين راهناً من هذا السقوط في هذا التوقيت. وفي رأيها ان مسألة اثارة ترشيح الاسد لرئاسة جديدة في 2014 بدلا من تنحيه يصب في خانة استخدام هذا العنصر من أجل الضغط على المعارضة كسيف مسلط عليها من أجل ان توحد قواها وتتعالى فوق خلافاتها من أجل ان تشكل بديلاً مقبولاً ومعقولاً بالتزامن مع طرح تحديات امامها للاسراع في ذلك على غرار اعطائها مقعد سوريا في الجامعة العربية او تسليمها السفارات السورية كما حصل في قطر مثلاً او فتح ممثليات لها كما في باريس ولندن.
النهار