أمير تاج السر: الكتابة توترني وتعزلني عن العالم
القاهرة – إسماعيل الأشول
وصف الروائي السوداني أمير تاج السر الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى بـ «البدائية»، ويحتكرها بعض الكتاب ممن تربطهم علاقات بالغرب، وطالب، وهو طبيب إلى جانب كونه روائياً، في حواره مع «الجريدة» المبدعين ممن شهدوا ثورات الربيع العربي بـ «عدم الاستعجال حتى نحصل على أدب جيد»… إلى نص الحوار.
روايتك الصادرة حديثاً «إيبولا 76»، هل لها علاقة بفيرس إيبولا؟
«إيبولا 76» هي كتابة روائية، تتحدث عن هذا الفيروس فعلاً أو إعادة إنتاج لبداية ظهور فيروس إيبولا الذي يسبب الحمى النزيفية، وكان قد ظهر في عام 1976 في جمهورية الكونغو والمناطق الحدودية من جنوب السودان، وأدى إلى وفاة الآلاف، وقيل إن عاملاً بسيطاً في مصنع لنسيج كان السبب في ظهوره. هذه ليست قصة العامل وليست القصة الحقيقية، لكنها كتابة متخيلة عما حدث، تتضمن لوحات إنسانية للمرض والشخصيات، ومحاولات الحياة والأمل بعدما غزا الفيروس كل شيء. ثمة نظرة عميقة إلى المدن البعيدة والإنسان المهمش، وإطلالة على ذلك العالم البائس من العالم، وأجواء أفريقيا وأساطيرها.
كيف كانت ظروف كتابة هذه الرواية؟
في عام 1989 كنت أعمل في قسم الأمراض الباطنية في مستشفى بورتسودان، وانتشرت الملاريا بصورة مزعجة، وكانت مقاومة لعقار الكلوروكوين الذي نستخدمه عادة وتستجيب للعلاج بعقار الكينين، أو الكينيا كما يسمونها، وكان ثمة شح في حقن الكينيا. كنا نطوف بعيادات بعيدة، تابعة للهلال الأحمر لأجل الحصول على الكينيا، وفي إحدى هذه العيادات عثرت على طبيب من أبناء جنوب السودان، وأخبرني بأنه كان الطبيب الذي كافح مرض إيبولا في الجنوب عام 1976، كانت قصته مرعبة، وصادقة وعنيفة، وأحسبه نجا بمعجزة. اعتقدت أنني نسيت تلك القصة، مرت سنوات طويلة وفي العام الماضي 2011 خطرت في بالي «إيبولا» وأردت كتابتها، لكني وجدت نفسي أوظف الطبيب إيزايا جون في قصة أخرى، هي «رعشات الجنوب». هذا العام ومن دون أن أدري، وجدت نفسي أكتب «إيبولا».
ماذا عن روايتك المترجمة حديثاً إلى الإنكليزية «مهر الصياح»؟
تُرجمت لي روايتان إلى اللغة الإنكليزية هذا العام هما «مهر الصياح» و»صائد اليرقات»، إضافة إلى ترجمة الأخيرة إلى الإيطالية. أعتبر «مهر الصياح» أهم أعمالي أو كما أقول دائماً درسي الشخصي في الكتابة، أنجزتها منذ عشرة أعوام وصدرت في طبعتين، وقد اختارتها إدارة الدراسات والبحوث في وزارة الثقافة في قطر لتكون أول عمل كبير يترجم إلى الإنكليزية بواسطة تلك الإدارة، وأسندت الترجمة لاثنين من العرب الأميركيين، وكان أمراً صعباً لأن الرواية معقدة، لكن عبد الوهاب وأمل عبد الله بذلا مجهوداً كبيراً، وكنت مساعداً في الأمور الغامضة حتى خرج النص. أما «صائد اليرقات» فقد ترجمها المستشرق الأميركي وليام هتشنز، المعروف بدقة ترجمته.
إلى أي مدى نجحت الترجمة الإنكليزية في نقل النص بروحه وعالمه كاملاً، كما كتبته باللغة العربية من وجهة نظرك؟
قرأت «مهر الصياح» و»صائد اليرقات» بالإنكليزية، وأحسست صادقاً بأن المترجمين نجحوا في نقل النصين إلى الإنكليزية. ثمة بالطبع جمل وتركيبات خاصة بي لم تعد موجودة، لكن عموماً كانت الترجمتان رائعتين، وقد أرسلتهما إلى أصدقاء لغتهم الأم هي الإنكليزية وأشادوا بالنصين تماماً، كذلك أشيد بهما في العربية.
كيف تنظر إلى حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى؟
أصارحك بأن الترجمة إلى لغات أخرى من العربية بدائية حتى الآن، وفي الغالب يحتكرها كتاب بعينهم بناء على علاقات معينة مع الغرب، أو تجد مواضيع يحبها الغرب وينتقيها لتترجم، ونادراً ما يترجم الأدب الراقي. شبعنا من ترجمة الآخر إلى لغتنا بواسطة المؤسسات العربية، وآن الأوان أن تتجه تلك المؤسسات إلى ترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى، كي يتعرف العالم إلى جمالياته بصورة أوسع. تجد أعمالاً غربية كثيرة ترجمت إلى العربية أكثر من مرة، وتجد أعمالاً عربية ناجحة لا يسأل عنها أحد. كذلك أتمنى أن يتحرى المستشرقون المغرمون بالأدب العربي المنطق في ترجماتهم، فيترجمون الجيد المفترض أن يكون عنصر جذب في الخارج. شخصياً، تأخرت ترجمتي مقارنة بكثيرين من جيلي، وثمة كتاب ممتازون لم تترجم لهم أعمال حتى الآن. عموماً، جسر العبور إلى الترجمة لا يزال غير ممهد، ويجب أن نفعل الكثير.
يتهم بعض النقاد والأدباء المترجمين الأجانب للأدب العربي بأنهم يتصيّدون أعمالاً تكرّس أفكاراً بعينها حول العرب لترجمتها، ما رأيك؟
نعم هذا يحدث كثيراً. يكفي أن يكتب أحدهم عملاً تجارياً مبتذلا، فيجده قد عبر إلى الترجمة. لكنها ليست القاعدة، فوسط هؤلاء ثمة من يبحث عن الأدب الجيد ليقدمه للغرب.
إلى أي مدى تأثرت الكتابة الأدبية بثورات «الربيع العربي»؟
كانت ثورات الربيع العربي فرصة لاكتشاف أدب جديد، أو قل لصياغة أدب جديد غير مقيد بصلف أو قمع، فقديما كان الإبداع هدفاً لمحاربته والتقليل من شأنه من الأنظمة الديكتاتورية، وجاءت الفرصة للانعتاق. أنا متفائل في رؤية أعمال واعدة، لكن ليس معنى هذا أن يصبح كل من شارك في وقفة في ميدان التحرير أو في صد كتائب القذافي روائياً، بل لا بد من الموهبة والدراية أولاً، فضلاً عن عدم الاستعجال كي نحصل على أدب جيد.
تطرقت روايتك «صائد اليرقات» إلى الصراع بين الأمن والثقافة، كيف تنظر إلى مستقبل هذا الصراع في ضوء الواقع الراهن؟
إنه صراع أزلي وسيكون قائماً حتى في عهد الديمقراطيات العربية، لأن فهمنا الشخصي للديمقراطية لا يزال ضعيفاً، أو غير موجود على الإطلاق. ستكون ثمة رقابة قائمة، وربما ابتكارات أخرى، لدحر الثقافة. هذا موضوع لن ينتهي بسهولة، والكاتب نفسه يحتاج إلى وعي بالديمقراطية كي يكتب بنزاهة.
تضم قائمة أعمالك الأدبية نحو 15 رواية، ما شعورك حينما تفكر في قصتك مع الكتابة؟ وهل يمكن أن تذكر لنا هذه القصة بإيجاز؟
كنت شاعراً حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، حين بدأت أكتب رواية «كرمكول» بتشجيع من بعض الأدباء، وأنجزتها سريعاً، ثم انهمكت في العمل حتى عام 1996، وكنت قد استقريت في دولة قطر. كتبت رواية أخرى هي «سماد بلون الياقوت»، وكان انتشارها محدوداً، ثم كتبت «نار الزغاريد» في عام 1996 ونشرتها في دار شرقيات. هكذا، استمرت الكتابة بشكل قدري ومتابع، وحاولت إيقافها عدة مرات بسبب الإرهاق وكثرة الأعباء، ولم أستطع. لكن صدقني لم أندم يوماً كوني أصبحت كاتباً.
ماذا عن عملك المقبل؟
صدرت لي «إيبولا» حديثاً، وهي رواية أعتز بها كثيراً. كذلك أنجزت بعدها رواية اسمها «366» تصدر ربما نهاية العام، وأنتظر صدور «صائد اليرقات» بثلاث لغات هي الإنكليزية والإيطالية والفرنسية. أنا الآن في استراحة من الكتابة الروائية، وليس في ذهني أي عمل أو مجرد فكرة.
الجريدة