صفحات العالم

أنان بطل مسرحية الجامعة الجديد


عبد الرحمن الراشد

لم تتعظ الجامعة العربية من الأذى الذي ألحقته بالشعب السوري من جراء فضيحة مهمة أحمد الدابي، الجنرال من النظام السوداني. مسرحية المراقبين تلك هي التي أسهمت في إنقاذ النظام السوري بتقارير زورت الحقيقة لتغطية جرائمه، زاعمة أن المحتجين قتلة مثل الحكومة، وساعد التقرير المندوب الروسي لتبرير استخدام الفيتو، وأعطى قوات الأسد الضوء الأخضر ليستخدم قواته الثقيلة ليقتل المزيد من المدنيين السوريين.

ها هي الجامعة الآن تعود بمهزلة أكبر. أرسلت إلى الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، ليتسلم في بيت تقاعده الدعوة ربما الوحيدة التي تصله منذ خروجه من مكتبه في نيويورك، ليشارك في مهمة وساطة في سوريا. أنان، للعلم، هو الآخر مثل الدابي سمعته أحاطت بها شبهات لها علاقة بمبيعات النفط مقابل الغذاء في العراق خلال عمله، ولم يجدد له بعدها في وظيفته كأمين عام للأمم المتحدة. كما استدعي من تقاعده الدبلوماسي الفلسطيني المتقاعد ناصر القدوة ليشاركه المهمة.

الجامعة العربية بقيادة نبيل العربي، بكل أسف، هي حصان طروادة، تنفذ رغبات الإيرانيين والروس. هذه المهام، أو المسرحيات، التي تخترعها الجامعة، نجحت فقط في تغطية جرائم النظام السوري ومنحه المزيد من الوقت، وأعطت الانطباع للعالم أن منظمة العرب الكبرى ليست متأكدة مَن يقتل مَن في سوريا، وأنها تملك حلا عربيا. الحل الذي يتحمس له الأمين العام العربي هو نفس الحل الإيراني، فكرته إيجاد تعاون بين النظام والمعارضة، بحيث يبقى فيه الأسد رئيسا ويدير الأجهزة الأمنية والعسكرية وتعطى المعارضة حصة في الحكومة. طبعا من يعرف النظام يدرك أنه حتى رئيس الحكومة، وهو شخص آخر غير الأسد، منصب لا قيمة له.

عمليا، مشروع التفاوض الذي يجاهد العربي من أجله والإطار الذي صممه للتفاوض فيه، يعتبر – في أقصى حالات نجاحاته – خيارا يستحيل أن يقبل به الشعب السوري، حيث يبقي فيه النظام بأركانه. سينجح العربي بإيقاظ أنان من غفوته والاستعانة به وسيطا في شيء واحد، سفك المزيد من الدماء. فالنظام في دمشق سيعتبرها رخصة ثانية من العربي لإكمال عمليات القتل، لأنه يظن أن المهمة إذا فرضت نتائجها بعد ستة أشهر من الآن، أو أبعد من ذلك، فسيضطر للتنازل عن بضعة مقاعد وزارية، مثل التجارة والزراعة والمواصلات.

الطعن في الظهر الذي يمارسه الأمين العام للجامعة العربية، برغبته أو رغما عنه، أسوأ مما يفعله النظام السوري، هذه هي الحقيقة بكل ألم وحسرة. لقد مكن العربي الروس والإيرانيين – بتبنيه مشاريعهم – من إنقاذ نظام الأسد الذي كان يتهاوى. وأوقف فرصة معاقبة النظام التي تم الاتفاق عليها قبل أربعة أشهر بأغلبية ساحقة بطرد النظام السوري من الجامعة العربية. سيلام العربي، وستلام الجامعة، بعد سقوط النظام على هذه الأدوار المخزية، وسيواجه وجامعته أمهات وأهالي آلاف الضحايا الذين يعرفون أنه كان السبب في إطالة أمد النزاع وقتل فلذات أكبادهم.

ما يحدث في سوريا لا علاقة له بمؤامرات، كما يشاع في أوساطه وكما يزعم المفكر هيكل، ولا يمكن أن ينظر إلى الحدث الدامي خارج حقيقة؛ هي أن النظام السوري بطبيعته الإجرامية يرتكب عمليات إبادة، يقتل مدنيين عامدا بلا رحمة. يقتل عوائل كاملة بأطفالها، فقط لمجرد الانتقام أو الترويع.

المؤامرة ليست في إسقاط نظام وحشي بل في مساندته.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى