صفحات العالم

أنان يعرف طبيعة النظام السوري.. كذلك بان!


خيرالله خيرالله

سيزداد عدد المراقبين الدوليين في سوريا الى ثلاثمئة مراقب، وذلك بموجب قرار اتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإجماع الأعضاء. يؤكد القرار أن ثمة حسنات كثيرة للخطة التي طرحها كوفي أنان المبعوث الدولي والعربي المكلف معالجة الأزمة السورية. الأكيد أن من بين هذه الحسنات السعي الى وقف إراقة الدماء في بلد يؤمن النظام فيه بأنّ لا خيارات أمامه منذ اليوم الأول لوصوله الى السلطة قبل اثنين وأربعين عاماً سوى إلغاء الآخر جسدياً، بما في ذلك الشعب السوري. ولكن تبقى الحسنة الأهمّ. تتمثّل هذه الحسنة في أن العالم يكتشف أخيراً، مع بعض العرب وغير العرب طبعاً، ما هو هذا النظام السوري وما هي طبيعته الحقيقية.

ما الذي يترتب على هذا الاكتشاف؟ يترتب أوّلاً الاعتراف بأن النظام السوري غير قابل للاصلاح لا اليوم ولا غداً ولا بعد غد، وأن لا مفرّ من مرحلة انتقالية تبدأ بتسليم الرئيس بشّار الأسد السلطة. تمهّد تلك المرحلة، أو هكذا يفترض، لعودة الديموقراطية والحياة السياسية والاقتصادية الطبيعية الى بلد مهدد بالتفتت وبحرب أهلية تطلّ برأسها بين حين وآخر.

الأهمّ من ذلك كلّه، أن اكتشاف طبيعة النظام السوري تعني أن ليس في استطاعة النظام تنفيذ خطة أنان، أقله لسبب واحد. يتمثل هذا السبب في عدم قدرة النظام على سحب قواته و”شبيحته” من المدن السورية. لذلك، لا أمل يرجى من خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة، الذي أصبح مبعوثاً دولياً وعربياً. فأنان يعرف قبل غيره ما هو النظام السوري وكيف يتصرّف مع القرارات الدولية ومع جيرانه. وإذا كان أنان في حاجة الى من ينعش ذاكرته، فإنّ بان كي مون الأمين العام الحالي للمنظمة الدولية يستطيع التكفّل بذلك.

ليس لدى النظام السوري ما يقدّمه لا لشعبه ولا لجيرانه العرب، على رأسهم لبنان أو تركيا، لا شكّ أن الأردن اوّل من يعرف ذلك بعدما عانى طويلاً من تصرّفات نظام كان لا بدّ من ردعه بين حين وآخر وإفهامه أين عليه أن يتوقّف، أكان ذلك في عهد الملك الحسين، رحمه الله، أو الملك عبدالله الثاني.

اكتشف الأتراك متأخرين أن لا أمل من النظام وأن كلّ همه محصور في البحث عن غطاء، أي غطاء، له في عملية القمع والقهر التي يمارسها في حق أبناء شعبه. أما أنان، فإنه يعرف منذ السنة 2000 بالتاكيد، وربما قبل ذلك أن لا أمل يرجى من النظام السوري الذي لا يمتلك سياسة أخرى غير الابتزاز.

في السنة 2000، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان تنفيذاً للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 1978. حسناً، نفّذت إسرائيل القرار أخيراً لأسباب مرتبطة باستراتيجية خاصة بها ذات علاقة بالقضية الفلسطينية ومنع ياسر عرفات، رحمه الله، من اتخاذ مواقف مرنة تتجاوب مع تطلعات الإدارة الأميركية وقتذاك.

صدر موقف عن مجلس الأمن بإجماع الأعضاء يؤكد أن إسرائيل نفّذت القرار 425. ماذا فعل النظام السوري الراغب في إبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة والمتاجرة باللبنانيين وأهل الجنوب تحديداً؟ اخترع ما يسمّى قضية مزارع شبعا المحتلة منذ العام 1967، وهي أرض لبنانية أصلاً، أقلّه في معظمها، لكنها خاضعة للقرار 242. لقد احتلت القوات السورية تلك الأرض في العام 1956 وخسرتها في 1967. الى الآن، لا تزال ترفض توجيه رسالة الى الأمم المتحدة تؤكد لبنانية الأرض كي يسهل على لبنان استعادتها عبر الأمم المتحدة. يعرف أنان ذلك جيّداً ويعرف ما هو النظام السوري وكيف تعاطى مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن عندما كان في موقع الأمين العام للمنظمة الدولية.

لم يتغيّر شيء في تصرفات النظام السوري. قبل أيّام قليلة، صدر عن بان كي مون الأمين العام الحالي للأمم المتحدة تقرير في غاية الأهمية عن تنفيذ القرار الرقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن في السنة 2004. الى الآن، لا يزال النظام السوري يتجاهل الجانب الذي يخصه من القرار. في مرحلة معيّنة، بدأ يقول إنه نفّذ الجانب المتعلق به عندما انسحب عسكرياً من لبنان. نسي أنه لم ينسحب إلاّ تحت ضغط اللبنانيين الذين انتفضوا، بأكثريتهم الساحقة، في وجه الاحتلال والوصاية بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005.

لم تنطل ألاعيب النظام السوري على الأمين العام الحالي للأمم المتحدة. أشار بوضوح في تقريره نصف السنوي عن تنفيذ القرار 1559 الى استمرار تدفق السلاح من سوريا الى لبنان وتمسك النظام السوري بإقامة قواعد لفلسطينيين تابعين له في الأراضي اللبنانية. فوق ذلك كلّه، هناك رفض سوري لتحديد الحدود مع لبنان وترسيمها.

يستبيح النظام السوري حرمة القرى والبلدات والمدن السورية ويستبيح سيادة لبنان. أنان يعرف ذلك. كذلك بان. إنهما يعرفان، تماماً، مثلما يعرف اللبنانيون، أن الهدف الوحيد للنظام السوري كسب الوقت. لذلك، ليست خطة أنان سوى مرحلة لا بدّ منها في انتظار اليوم الذي يتخّذ المجتمع الدولي قراره بالانتهاء من النظام بطريقة أو بأخرى.

الأمل كبير بأن لا تطول إضاعة الوقت نظراً الى أنّ كلّ يوم يمر يعني مزيداً من الدماء السورية تهرق على يد نظام يعتقد أن المخرج الوحيد الباقي أمامه يتمثل في إزالة مدينة مهمّة اسمها حمص من الوجود!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى