صفحات سورية

أنطاكيا .. خوف من بداية شّرخ بدأ الجميع يشعر بإمكانية ظهوره


فادي الطويل

يمشي السوريّ في شوارع أنطاكيا، يلاحظ كثرة من يعرفهم أو يألفهم. يلفت نظره كلام البعض المتراوح بغالبيته بين الأمنيات والتوقع. كلهم يتكلمون عمّا ‘بعد السقوط’. يصرّ أفراد المجتمع المحلّي هنا على استخدام تعبير ‘جميع الأطياف’ للدلالة على التمسّك بموقف واحد لا تطاله الشروخ التي بدأت تظهر منذ زمن في البلد الجار. ‘أنطاكيا صورة مصغّرة عن سوريا’ يقول لي أحدهم، الحال واحد، ويغمز هنا ضمنياً لتنوّع المجتمع الذي يشبه إلى درجة كبير المجتمع السوريّ المتنوع.

الناس هنا متأثرون للتدهور في العمل التجاري مع السوريين الذين كانت لهم مكانة خاصة. لا يريد السكان المحليون أن يأتي من يتدخّل بشؤونهم اليومية أو أن يُدخل إلى الذهنية أفكاراً حملها معه من سوريا. مجتمع منفتح لا يشعر أنه بحاجة لمن يوجّهه في أي اتجاه، لا سيّما في مسألة الحرية الفردية التي يجاهر بها الجميع على أنها الميزة الأهم. الموزاييك هنا متجانس ومتصالح، ما في النفوس يبقى في النفوس، لكن ثمّة إجماع على أنه لا يجب التأثير على الحالة الصحية والمنفتحة لهذا المجتمع. ينظرون بحذر لأي سوريّ تبدو سمات التديّن عليه، وبخاصة إذا كان شابّاً ومتواجداً لوحده أو مع مجموعة من الشباب الآخرين. هؤلاء يُنظر لهم أنهم يتمتعون بميزات لا يجب أن يمتلكوها، حرية التحرك على الحدود مع سوريا، امتلاكهم لأسلحة، يدّعون هنا، رؤيتها محمولةً بشكل علني في بعض المناطق. يبدأ البعض بملامسة الخط الأحمر الذي لا يريد أحد الاقتراب منه، التقسيم المناطقي والطائفي. الكلام السائد هو عن ‘سوريا’ ككلّ وواحد، لا يوجد فصل بين ‘شعب’ و’نظام’. يتكلمون عن ‘بشّار الأسد’ بوصفه واحداً من الشعب وكلّ ما يجري يمكن حلّه داخليّاً.

فكرة تبدو سطحيّةً مع الحقائق التي تُظهر كلّ يوم انكشاف الساحة السورية وتحوّلها إلى ملعب لقوى دولية. إزاء هذه الحقيقة، يستطيع المرء ملاحظة التشديد على فكرة أنه إذا كان السكان هنا يرفضون التواجد الكثيف لهؤلاء الذين يحملون سمات السلفيين وتحديداً ممن هم من جنسيات عربية أخرى، فإن هذا الرفض الأهليّ لا يعني بالضرورة أنهم مع النظام السوري، الذي ثمّة من هم ‘من جميع الأطياف’ مقتنعون بروايته وثمّة من يعتبر الوضع يتطلب الحياد، مع تعبيرهم المضمر عن الامتعاض من السياسة التركية التي تعطي غطاء لهؤلاء القادمين. من هنا، كان الغضب واضحاً في المسيرة الشعبية التي انطلقت من وسط أنطاكيا مطالبة بفرض إجراءات رادعة ضد من يجاهر بتصرف لا ينسجم مع طبيعة المجتمع في المدينة.

وما يزيد من شعورهم هذا، أن المدن الداخلية تتبنى سياسة الدولة بشكل كبير وواضح ما يضع أنطاكيا في موقف الموال لسياسة النظام السوري وإن لم تكن كذلك. بعض السوريين هنا يتهم النظام السوري بإرسال جماعات تنظّم مسيرات دعم لصالحه، ويعتبرون هذه الحركة شرارة ستشعل الوضع لاحقاً، إذ تقوم هذه الحركة بخلق رابط خفيّ بين منظّمي هذه المسيرات وأفراد من المجتمع المحلي . رابط سيكشف لاحقاً عن بداية شرخ ممن هم ‘مع’ و’ضد’. وهذا في جميع الأحوال يعني توريط السكان في هذه اللعبة، ووضعهم في تصنيف أنهم إمّا متعاطفون مع النظام السوريّ لأسباب طائفية، أو خوفاً من البديل الإسلامي وبذا يكونون في خانة المصدّق لرواية النظام. وبهذا، يكون النظام السوري قد نجح بشكل ما- في نقل الشرخ في سوريا إلى هذه المنطقة التي يعتبرها الكثيرون على طرفي الحدود، منطقة واحدة بحال واحد. لذلك بدأت تظهر على السطح بكثرة تعابير من نوع ‘النسيج الواحد’ و’تغليب الوعي’، في مجتمع أنطاكيا التي تخشى أن تكون امتداداً لما’يجري وراء الجبل القريب. لكن، هل تفيد الحملات الأخيرة التي تدّعي رفض المؤامرة الكونية على سوريا والتي تضع أغان وطنية -من النوع الذي أنتجه الطرف الموال للنظام في سوريا خلال السنة ونصف الفائتة- وتصدح بها مكبرات الصوت في وسط المدينة التجاري، وتجمع التواقيع للتعبير عن التضامن مع ‘سوريا’ الدولة، هل يمكن لهذا ان يحافظ على الموقف الذي يتمسك الناس بإظهاره خوفاً من إعطاء فرصة لشرخ بدأ الجميع يشعر بإمكانية ظهوره؟.

‘ كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى