صفحات العالم

أنقذوا سوريا


محمد الباهلي

لا يزال المشهد السوري بكل تعقيداته يعاني إشكاليات مريرة عدة، وقد أصبح يستعصي على الكثير من المحللين فهم الغموض الذي يكتنفه، حيث لا تزال الأحداث المؤلمة تدور في حلقة مفرغة بعد سنة ونصف السنة على اندلاع الثورة السورية. والمشكلة هنا ليست في طول الفترة، بل في عدم وضوح الشكل النهائي الذي سوف تصل إليه الأحداث، وكذلك غموض المشهد السياسي العربي والإقليمي والدولي بأكمله المتصل بهذه الأزمة، خاصة أن الوضع في سوريا يدخل في لحظات مصيرية خطيرة قد تؤدي إلى تفجير المنطقة، وتقودها نحو فتن وحروب شاملة.

وما يكتب اليوم عن هذه الأزمة على المستوى العربي ليس دقيقاً، بل مجرد قراءات شكلية للأبعاد الدولية والإقليمية المتعلقة بالوضع السوري المؤلم. وعند تقييم وتحليل مثل هذه الكتابات، نجد معظمها مليئاً بالتفسيرات والتحليلات المتحيزة، والقيل منها يحاول وصف الحالة كما هي، حيث تُظهر الوقائع الميدانية عجز الأطراف المتحاربة عن حسم الصراع لمصلحتها وتستمر معاناة الشعب السوري من حرب الإبادة التي يشنها عليه نظام “البعث” بكل أسلحته الفتاكة.

آفاق الحل السياسي هي الأخرى أصبحت بعيدة وجهود الإبراهيمي انتهت بقوله: “إن الأزمة السورية خطيرة جداً والوضع يسير من سيىء إلى أسوأ، وما يجري في سوريا هو حرب أهلية”. ولعل هذا يستدعي من العرب لأن يدركوا الخطر الذي تذهب إليه الدولة السورية والشعب السوري.

وحقيقة الأمر أن الشعب السوري يتعرض للقتل يومياً، وهناك أكثر من خمسة وثلاثين ألف قتيل، ومئة ألف جريح، وأكثر من مئة ألف من المعتقلين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب وقد ضاقت بهم المعتقلات والسجون، علاوة على أكثر من سبعمائة ألف لاجئ ومليون نازح.

وإذا تأملنا المشهد الإقليمي والدولي، سنجد أن سوريا وشعبها الذي ينشد من هذا الحراك وهذه الثورة حريته، أصبح رهينة لنظام “البعث” الحاكم، ورهينة للحسابات الإقليمية والدولية حول سوريا.

ولو أخذنا الأزمة من الزاوية الأميركية الإسرائيلية فسنجد توافقاً تاماً بين الطرفين حول إطالة أمدها، وذلك لإضعاف الدولة السورية وإدخالها مرحلة التفكك، بما يتفق مع خرائط التفتيت التي وُضعت في الثمانينيات. وفي هذا الإطار يقول الكاتب الإسرائيلي “جي بخور” في صحيفة “يديعوت أحرانوت” (29-10-2012) في مقال عنوانه “سوريا الجديدة دولة داخل دولة”، إنه لم يعد بوسع سوريا الآن أن تعود لتكون تلك الدولة نفسها، لأن قسماً واحداً على الأقل سينفصل عنها، وهو الكيان الكردي، وبعده ستحدث انفصالات أخرى، ثم تتفكك سوريا نهائياً في غضون بضع سنوات سنوات. كما كتب شلومو بروم من “معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي”، مقالاً بعنوان “بشار الأسد أفضل لأميركا وإسرائيل”، قال فيه إنه إذا لم يسقط النظام فسيكون ذلك تحدياً أقل للولايات المتحدة وإسرائيل، لأنه سيكون ضعيفاً، ولهذا ستكون مجابهته أكثر سهولة”.

كان المفترض أن يكون الدور العربي في إنهاء الأزمة السورية هو الدور الأهم والأبرز، وأن تسهم الجامعة العربية إسهاماً فعالاً في معالجة الأزمة ومساعدة الشعب السوري على التخلص من النظام الدموي الذي يحكمه، لأن ما يجري في سوريا شأن عربي وليس شأناً إيرانياً أو روسياً أو أميركياً، لذلك يتحتم اليوم على كل الدول العربية أن تتحرك سريعاً قبل فوات الأوان لإنقاذ سوريا من خطر التفكك والتقسيم، وأن لا تكون إيران هي الوسط الذي يحدد مسار دولة عربية، أو يتدخل في شؤون الأمة العربية.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى