صفحات الحوار

أنور البنّي: فى السجن تابعنا ثورات تونس ومصر وكان رأيى أن هذا “تسونامي”


قال المعارض السورى، أنور البنى، إن النظام السورى كانت لديه فرصة مع بدء اندلاع الاحتجاجات فى درعا أن يحتوى الموقف ويبدأ إصلاحات حقيقية ينقذ بها سوريا من حالة الفوضى التى تمر بها، لكنه فوّت الفرصة. واعتبر خلال حوار أجرته معه «المصرى اليوم» فى منزله بدمشق، أن ما يقوم به النظام الآن محاولة لاحتواء الأزمة، مؤكداً أن أى إصلاح فى هذا النظام القائم على القمع يعنى تفكك النظام نفسه، مضيفاً أنه لا يثق بما ستخرج به اللجنة التى شكلت لصياغة مسودة دستور جديد للبلاد، لأنه يعتبر أن هناك خطوات أخرى ينبغى السير فيها لإعلان الدستور الجديد.

أنور البنى، معارض وناشط حقوقى ولد فى مدينة حماة عام 1959، حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة دمشق، انخرط مع عدد من أشقائه فى حزب العمل الشيوعى السورى المحظور، وهو أحد مؤسسى جمعية حقوق الإنسان السورية، مع المعارض هيثم مناع، والمدونة رزان زيتونة، وأدار مركزاً لتدريب المجتمع المدنى معنياً بحقوق المرأة والطفل. صدر ضده حكم بالسجن 5 سنوات عام 2006 بعد إدانته بتهمة «نشر أخبار كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها إضعاف روح الأمة»، وحصل وهو فى السجن على جائزتين فى حقوق الإنسان من أيرلندا وألمانيا.

برأيك ما العوامل الموضوعية التى أدت إلى ما نراه فى سوريا اليوم؟

 هناك عاملان مهمان، هما ازدياد شدة القمع، والانتقال إلى اقتصاد السوق من الاقتصاد الاشتراكى. عندما تسلم الرئيس بشار الأسد الحكم عام 2000 كان هناك أمل أن تحدث تغييرات جوهرية، وإن كان ببطء. لم تكن لدى الناس مشكلة أن تكون التغييرات ببطء. لكن الذى حدث أنه كلما مر الزمن اكتشف الناس أنه لا أمل فى تغيير جوهرى، زادت شدة القمع وزاد الفساد بشكل أكبر، وترافق مع ازدياد القمع التحول من الاقتصاد الاشتراكى إلى اقتصاد السوق لمصلحة أشخاص محددين هم أنفسهم يملكون السلطة. كان الاقتصاد الاشتراكى يراعى فى بعض الأحيان ذوى الدخل المحدود، ولكن الاقتصاد الحر متوحش، وازداد توحشاً عدة مرات لأن من تسلمه كانت بيده السلطة السياسية والأمنية، وأصبح الاقتصاد أيضاً بيده.

هل ساعدت العوامل الدولية والإقليمية فى انفجار الوضع بهذا الشكل؟

 بالتأكيد، كل هذه التراكمات أدت إلى إنضاج الظروف الموضوعية، التى ظلت تنتظر الإشارة، إلى أن جاءت الشرارة من الخارج، من تونس ثم من مصر، مع أن وجهة نظرى أن الظروف الدولية والعالمية كانت مهيأة من بعد أحداث سبتمبر 2001، ثم اجتياح العراق 2003، حيث بدأ العالم أو المجتمع الدولى يتجه إلى دعم الديمقراطية بشكل فعلى، لأن مصالحه تتطلب ذلك وليس حباً فى الديمقراطية.

أثبتت نظرية دعم أنظمة ديكتاتورية لزرع استقرار أنها فاشلة فى خلق عالم آمن، بل على العكس، أدت إلى ازدياد الإرهاب، وحيث إن التربة المناسبة للإرهاب هى القمع والفقر، فإن تجفيف هذه التربة الخطوة الأولى الضرورية للقضاء على الإرهاب.

وحيث إن الغرب يعانى من الإرهاب ويسعى جديا للقضاء عليه، فإن مصلحته تفرض عليه ألا يكتفى برفع شعارات حقوق الإنسان، بل عليه المساعدة فى بناء أنظمة ديمقراطية تقود عملية تنمية شاملة، تقضى على الفقر والقمع.

ما الذى ساعد الناس على كسر حاجز الخوف؟

 جدار الخوف لم ينكسر فى لحظة واحدة، بل على دفعات فى بداية التظاهرات أمام وزارة الداخلية تعرض المحتجون لضرب وإهانات وسحل فى الشارع وللسجن فترة قصيرة، وهذا شجع آخرين، ثم جاءت الشرارة من «الحريقة» (أحد أحياء دمشق بجوار سوق الحميدية)، عندما اعتدى شرطى على مواطن، وتجمع الناس.

ومن درعا كانت هناك شرارة أخرى، عندما كتب تلاميذ المدارس بعض الشعارات على الجدران، وكان رد فعل السلطة العنيف، خلعوا أظافر أطفال أعمارهم 10 و11 عاماً، وهو ما أشعل الشرارة، ومع تصاعد الأحداث وازدياد عنف السلطة، كان الناس يتشجعون أكثر. ببساطة الناس وجهت رسالة إلى النظام مفادها أن «رصاصكم قتل الخوف فينا». لو لم يكن رد فعل السلطة بهذا العنف لما كانت المظاهرات ستتطور بهذا الشكل. تخيل لو أن الرئيس بشار الأسد نزل إلى درعا وطيّب خاطر الناس هناك، وبدأ فوراً فى تطبيق الإصلاحات التى أعلن عنها لاحقاً، كان من الممكن ألا تأخذ الأمور هذا المنحى.

 عندما بدأ الربيع العربى فى تونس ثم مصر ثم سوريا، كنت فى السجن.. كيف كانت الأجواء؟

 عندما كنا فى السجن كنا نتابع ما يجرى فى تونس وفى مصر، وكان رأيى من البداية أن هذا “تسونامي”، من لم يتأثر بالهزة الأرضية سيتأثر بالأمواج، سجنونا مع السجناء الجنائيين، الذين كانوا مصدر الأخبار، حيث كانت الزيارات متاحة لهم، ممنوعة علينا، لم يكن لدينا تليفزيونات ولا إعلام، فقط هناك تليفزيون واحد يبث المحطات السورية، ولكن كان عندى راديو أتابع منه الأخبار.

وأنا فى الداخل كان حلمى يتحقق. كنت أقول للناس دائماً إن الحرية بمتناول اليد وكان الأصدقاء يستغربون، كنت أعرف أن الحرية تحتاج فقط للشرارة. كنت أقول ذلك من قبل دخولى السجن.

سجنت 5 سنوات لأننى طالبت بإلغاء حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة، وعندما كنت فى السجن اضطر النظام لإلغاء الطوارئ ومحاكم أمن الدولة، فكنت أسأل نفسى لماذا أنا هنا؟ ما طالبت به تحققونه أنتم الآن، إذا كانت هذه المطالب محقة كما تقولون، فلماذا نحن فى السجن؟

ألا ترى أن النظام قام ببعض الإجراءات لحل الأزمة مثل إلغاء الطوارئ مثلاً؟

 النظام السورى من أعقد الأنظمة وأكثرها قمعاً، وبنيته القمعية تتناقض ليس مع تقديم التنازلات فحسب، بل حتى مع مجرد التفكير فى ذلك، وعندما قرر إلغاء حالة الطوارئ، قام على الفور بتعديل القانون لفرض حالة أكثر قسوة من الطوارئ، وأصبح من حقه وفقاً للقانون العادى أن يقمع المظاهرات، وقانون الإعلام والأحزاب الذى أصدره لم يقدم جديداً على صعيد فتح حريات حقيقية، لا للإعلام ولا للأحزاب.

ليس هناك أى جديد على صعيد تفكيك الدولة الأمنية، بل مجرد محاولات لتجميل وتغيير شكل سيطرة الأمن على الدولة. البنية القائمة لا تستطيع إقامة الديمقراطية، فغياب القمع يعنى ببساطة ذهاب النظام.

كيف ترى الحل إذن فى ظل هذا التعقيد؟

 الأوضاع تعقدت بالفعل على الأرض. هناك سلاح فى الشارع مع الناس، لا يمكن أن تقول إن هناك تسلحاً منظماً، ولكن هناك اندفاعات فردية، الناس تدافع عن نفسها وعن عرضها وعن بيوتها. عندما يقتل الأخ والأب أمام عين المواطن لا تستطيع ضمان ردود فعل هذا المواطن خاصة لو لديه قطعة سلاح.

الخيارات تتعقد شيئاً فشيئاً، فالسلطة تضع الناس بين خيارين، إما القبر المعنوى أو القبر الجسدى، والناس ترفض العودة إلى القبرين، والسلطة تتوغل فى مجابهة الحراك الشعبى ومطالب الناس بالقوة المسلحة، بما يقود إلى نزاعات مسلحة، وهى غير الحرب الأهلية، أى أن السلطة هى التى تفرض الطريق الدموى باتجاه الحل العسكرى، بدلاً من الحلول السلمية لتغيير النظام التى كنا نطالب بها.

الآن فات الوقت على الحل وفقاً للنموذج التونسى والنموذج المصرى، ولا أعتقد أن المجال مفتوح للنموذج اليمنى، والمعطيات المتاحة تشير إلى أننا نتجه إلى الحل وفقاً للنموذج الليبى، وهو نموذج لا نتمناه، ولكن سيرورة الأحداث وطريقة تعامل النظام مع المجتمع الدولى والمبادرة العربية، تدفع الأمور إلى هذا الاتجاه.

هل يمكن أن نتحدث إذن عن حرب أهلية؟

 الحرب الأهلية احتمال غير وارد بالمرة، فى سوريا لا يوجد مدنى يريد أن يقتل جاره، قد تحدث اشتباكات مسلحة فى بعض المناطق، نتيجة وجود جيش منشق أو ناس تدافع عن نفسها أمام سلطة غاشمة تريد إعادة المجتمع إلى القبر، لكن الحرب الأهلية احتمال غير وارد بالمرة.

هل ترفضون الحل عبر الحوار مع النظام؟

 هناك فرق بين التسوية والحل، فالتسوية تعنى مفاوضات تسفر عن تنازل الناس عن جزء من مطالبها مقابل أن يتنازل النظام عن جزء من سلطته الأمنية، وهذا أمر لم يعد مقبولاً من أحد، وأى حل يحقق مطالب الناس بطريقة سلمية سنقبل به. أما سيناريو إصلاح النظام فهو غير وارد برأيى.

ولكن النظام يسير فى إجراءات عملية لإصدار دستور جديد عبر لجنة تمثل فيها المعارضة؟

 من يكتب الدستور الآن لجنة لا قيمة قانونية لها، هم يضعون مقترحات، ولكن الإجراءات الحقيقية تبدأ بأن يقترح رئيس الجمهورية أو أكثر من ثلث أعضاء مجلس الشعب تعديل الدستور، ليطرح للاستفتاء.

إذن هذه اللجنة مجرد لعبة لكسب الوقت، ومطلوب منها أن تقدم مشروع دستور، فماذا لو وضعه رئيس الجمهورية فى الدرج؟ أو أحاله لمجلس الشعب ليضعه فى الدرج. أنا قدمت مشروع دستور عام 2005 ووضع فى الدرج.

رئيس الجمهورية لديه سلطات واسعة بكل معنى الكلمة، لا يحتاج إلى لجنة: يمكنه تعليق العمل بالدستور القديم، والدعوة لانتخابات لتشكيل هيئة تأسيسية، يسلمها الحكم، وقيادة البلد، تشكل حكومة انتقالية، هذا ما يفعله من يريد تحقيق تغيير جذرى. لا أن يعين لجنة. على أى حال فلننتظر.

ولكن اللجنة فيها بعض الأسماء المعارضة للنظام؟

 لا يوجد أحد فى اللجنة محسوب على المعارضة، كلهم أنا أسميهم موالاة برتبة معارضة، 16 شخصاً من أعضاء اللجنة جزء من الجهاز الأمنى، الباقى سياسيون من حزب البعث، ونسبة بسيطة موالون برتبة معارضة. أنا لا أثق بما سيخرج عن اللجنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى