أن أتركَ نفْسي ورائي/ بول أوستر
ظلُّ إلى ظلّ
قبالةَ واجهةِ الظلال
المسائيةِ، ثمة النّارُ، والصمتُ.
حتى إنه ليس صمتاً، إنما ناره-
الظلّ
المنسدل مع الأنفاس.
لكي ألجَ خرَسَ هذا الجدار،
عليَّ أن أتركَ نفْسي ورائي.
جنوب
أبتر حَدَّ البياض-: القلبُ
البرونزي والتجلي السماويّ
لشتائنا
الوئيد.
دُمــى
1
طريق الكينا: أثرُ سماء كابية
يرعشُ في حنجرتي. على وقْعِ
الصيف الرتيبِ
ثمة الأعشاب التي أَسكتتْ
حتى خطوتَك.
2
وساوسُ الضوء اللاتُحصى.
وكلُّ ما هو ضائعٌ- ذاكرةٌ
لِـم لم يكن. التلال. التلال
المستحيلةُ
الضائعة في إشراقة الذاكرة.
3
كما لو أن الأشياء كلّها
لا تزال تنتظر الولادة. مائلة أبداً في العين،
بما العينُ تنفتحُ اللحظةَ على صخب
الهجير: دبّورٌ، شوكٌ يتمايلُ على أطراف
سلكٍ شائك.
4
أنت أيها الباقي. وأنت
يا مَن لستَ هنا. كلمة من أقاصي الشمال، انتثرتْ
في الساعاتِ البيضاء
لعالمٍ بلا صورة-
مثل كلمة وحيدة
تقولُها الريحُ ثم تفنيها.
ملاحظات من دفتر الإنشاء
1
العالمُ في رأسي. جسدي في العالَمِ.
2
العالَمُ فكرتي. أنا العالمُ. العالم فكرتُكَ. أنتَ العالمُ. عالمي وعالمكَ ليسا العالمَ ذاته.
3
ليس هناك عالَمٌ سوى العالم الإنساني. (أقصدُ بـ إنسانيّ كلَّ ما يمكن أن يكون مرئياً، ومحسوساً، ومسموعاً، ومُدْرَكاً، ومتَخَيَّلاً.)
4
ليس للعالَمِ وجودٌ موضوعيّ. إنه ينوجدُ بقدرِ ما يسعنا أن نُدركَه وحسب. وإدراكاتنا لا ريبَ قاصرةٌ. ما يعني أنّ للعالَمِ حَدّاً، إذ يتوقّف عند نهايةٍ ما. لكن حيث يتوقّفُ بالنّسبةِ إليّ ليس بالضرورة حيث يتوقّف بالنسبة إليك.
5
لا يمكن لنظرية الفنِّ أن تنفصم عن نظرية الإدراك الإنسانيّ.
6
لكن ليست إدراكاتُنا وحدها قاصرة، اللغة (بما هي وسيلة تعبيرِنا عن تلك الإدراكات) قاصرةٌ هي الأخرى.
7
اللغةُ ليستِ التجربةَ. إنها وسيلة تنظيم التجربة.
8
فما هي، إذاً، تجربةُ اللغةِ؟ لعلّها في أن تمنحنا العالَمَ ثم تأخذه منّا. في نَفْسِ النَّفَسِ.
9
ليس سقوطُ الإنسان مسألةَ خطيئةٍ، أو انتهاكاً، أو انحطاطاً أخلاقياً. بل مسألة لُغَةٍ تُخْضِعُ التّجربةَ: سقوط العالَمِ إلى الكلمة، نزول التجربةِ من العينِ إلى الفم. مسافةَ ما يقربُ من ثلاث بوصاتٍ.
10
ترى العينُ العالَمَ في حالةِ جريانٍ. الكلمةُ محاولةٌ للقبض على التَّيَّار، وتثبيتِه. ومع هذا كلّه لا نكفّ عن محاولة ترجمةِ التجربة إلى لغة. من هنا الشِّعْرُ، من هنا ملكاتُ التعبير في الحياة اليومية. هذا هو الإيمان الذي يقي من اليأس الجمعيّ- ويسبِّبُه أيضاً.
11
الفنُّ هو “مرآةُ فطنةِ الإنسان” (مارلو). صورةُ المرآة عرْضةٌ – وقابلة للانكسار. هشِّم المرآة وأعِدْ تجميع الشظايا. ستبقى النتيجةُ أنّ هناك انعكاساً لشيءٍ ما. كلّ أشكال الدمجِ ممكنة، ومهما يكن عدد الشظايا فقد يُترَك دون تجميع. الشّرط الوحيد هو أن تبقى شظية واحدة على الأقلّ. في هاملت، إمساك المرآة كما يقضي المزاج يعادلُ نفْسَ مؤدّى صياغة مارلو- فيما لو سلّمنا بالمحاججة الواردة أعلاه. حيث إن كلَّ ما في الطبيعة إنسانيٌّ، حتى لو لم تكن الطبيعة بحدّ ذاتها إنسانية. (لم نكن لنوجدَ لو لم يكن العالمُ فكرتَنا.) بمعنى آخر، مهما تكن الأحوال (قديمة أم عصريّة، كلاسيكية أو رومانسية)، فإنّ الفنَّ نتاجُ العقل البشريّ. (الإيماء الإنساني.)
12
الإيمان بالكلمة هو ما أدعوه كلاسيكياً. الشّكُّ في الكلمة هو ما أدعوه رومانتيكياً. يؤمن الفرد الكلاسيكي بالمستقبل، بينما يُدرك الرومانتيكيّ بأن الخيبة تنتظره، لأن رغباته لن يُكتبَ لها أن تتحقق. من حيث إيمانه بأن العالَمَ فوق الوصف، أبعدَ من أن تحيط به الكلمات.
13
أن تشعرَ بالإقصاء عن اللغة يعني أن تفقدَ جسدك الخاص. عندما تخونكَ الكلمات، فإنك تتبدّد إلى صورةِ عَدَمٍ. تضمحلُّ.
المترجم: أحمد م. أحمد
ضفة ثالثة