أوباما والأزمة السورية
د. طيب تيزيني
نجح أوباما في الفوز بولاية رئاسية ثانية، وحقق بذلك حلم مَن يزيد عددهم على أكثر من نصف مَن يحق لهم الانتخاب في الولايات المتحدة، وقد جاء ذلك بمثابة استعادة لسؤال كبير طالما تغلغل في ضمائر المهمشين والمظلومين والفقراء والملونين والمهاجرين في الولايات المتحدة، كما في بلدان أخرى من العالم، وخصوصاً في العالم العربي، وربما كان ما أعلنه أمام أولئك أقل كثيراً مما يود أن يقوله، ولكن السياسة، بوصفها الفعل بمقتضى الممكن، هي التي حالت دون ذلك، فلقد لوّح الرجل أمام الحشود بـ”العدالة في توزيع الثروة”، و”بملاحقة المتهربين من دفع الضرائب” و”بإعادة تنمية الطبقة الوسطى”، و”بحل مشكلة المهاجرين” وبمواجهة “التمييز العنصري” وبالاهتمام بـ”تطوير الجامعات والبحث العلمي” وبتحسين “النظام الصحي” وغيره، وكانت هنالك إشارات إلى الرغبة في “إنهاء الإرهاب” في العالم وإلى “ضمان حقوق الإنسان” ومعالجة “المشاكل الملتهبة في مناطق الشرق الأوسط”، ولابد أن يكون هذا قد أيقظ في ذهن أوباما راهنية وأهمية معالجة قضايا السياسة الدولية وملفاتها المعلقة، مثل الملف السوري الراهن.
لقد كان في ذهن أوباما أن هنالك حاجة إلى “إعادة بناء العالم” على أسس الديمقراطية والعدالة، ولكنه ظل حتى النهاية مدركاً للأسس التي كانت تحكم علاقات الولايات المتحدة ولا تزال، مع إسرائيل، وهو يعلم أن هنالك خطاً أحمر لا يجوز أبداً لأحد أن يتجاوزه، وهو ذلك الذي يربط بين فلسطين وسوريا من طرف أول، وبين إسرائيل من طرف ثان. أما المعْني من ذلك فيقوم على أن البحث في مشكلات ذنيك البلدين العربيين يستمد حدوده الجيوسياسية والتاريخية والراهنة كما المستقبلية، من مصالح “إسرائيل العليا”، فهو ورث ذلك بمثابته قدراً قاطعاً، وأوباما الذي يعرف هذا الأمر من المرجعيات المؤسسة لنشوء إسرائيل في نظر الولايات العليا وعبر مستشاري الرئيس، والذي لابد أنه ارتطم بذلك وبنى استراتيجيته الانتخابية وما بعدها عليه وعلى غيره، كان من المؤكد أنه وقع في مأزق كبير، كيف يُقر بالمصائر التاريخية الإجرامية التي مرت بها فلسطين وتمر بها الآن سوريا، ويظل صامتاً صمتاً ومفعماً – من الناحية الموضوعية – بالعار السياسي والأخلاقي، ألم يتذكر أنه يوماً ما في تاريخه المنصرم كان وعائلته “السوداء” حبيس الظلم السوسيو اقتصادي والقهر الأخلاقي الإنساني.
لقد التقى النظام الأخرق الذي قام عليه مجلس الأمن (خصوصاً ما يتمثل منه بمبدأ النقض – الفيتو)، مع شخصية الرئيس المنتمي إما إلى “الجمهوريين” وإما إلى “الديمقراطيين”، ليشكلا – في الحالة التي نحن فيها – ناتجاً رهيباً في حياة الشعوب المستضعفة، مثل شعبي فلسطين وسوريا، فإسرائيل التي قامت على مبدأ الاستعمار الغربي لفلسطين العربية، تشكل – مع سوريا الراهنة – ربما أخطر حدث في خانة الاستعمار ما قبل العولمة، وفي هذه العولمة إياها، فإذا تحدد الأمر الأول بالعمل على استئصال شعب فلسطين من بلده، فإن الأمر الثاني، الراهن، يقوم على عنصرين اثنين، أما أولهما فيعلن عن نفسه في استراتيجية النظام السوري القائمة على قتل وتهجير ما أمكن من سكان سوريا إلى خارجها، أي على صيغة قد نحددها وإن ببعض الحذر بـ”التطهير العِرقي”.
أما العنصر الثاني، فيتمثل في جريمة تدمير ما أمكن من المدن والبلدات والقرى السورية تدميراً بربرياً كلياً، وإني في هذا وذاك أقرب إلى الزعم بأن ما يحدث الآن في سوريا إن هو إلا حدث يصعب إيجاد مثيله في التاريخ.
ها هنا نرى أن الرئيس أوباما نأى بنفسه عما بدأ به باحثون وسياسيون أميركيون وغربيون، ويفصح ذلك عن نفسه في كسر جماح النظام العولمي الساعي إلى ابتلاع الطبيعة والبشر، عبر تحويلهم إلى كتل مالية في أسواق من السلع ومن مستهلكيها، أما هذا الكسر فيتحدد بالعودة إلى ليبرالية معتدلة ترى في “الدولة الرؤوم” مبدأ لها، وحينذاك يجد البشر أنفسهم أمام إمكانية تأسيس جديد لـ”مجلس للأمن” يضع الكرامة والحرية والعدالة مقابل مبدأ الفيتو وأمثاله، ونبقى نعوّل على تيار عظيم ينشأ في العالم، وفلسطين وسوريا منه، يدعو إلى الوقوف في وجه الظلم والقمع والمذلة على أيدي نُظم قائمة على الاستبداد والفساد والإفساد والجريمة، وهنا نضع يدنا على خلق عالم قد يكون بديلاً عن عالمنا.
الاتحاد