صفحات الناس

“أوراق طائرة بلا طيار”.. سنودن جديد؟

 

 

في تحقيق من 8 أجزاء كشف موقع “ذا انترسبت” عن وثائق سرية سربها مصدر في أجهزة الاستخبارات الأميركية، ممن عمل على مواكبة العمليات السرية الخاصة ببرنامج “القتل المستهدف” المثير للجدل، والذي تنفذه الطائرات الأميركية بدون طيار ضد الإرهابيين. وتكشف الوثائق ما يدور في دهاليز هذا البرنامج، إضافة إلى تفاصيل حول كيفية تنفيذ الهجمات الدموية وكذلك نقاط الضعف في البرنامج، الذي طالما انتقدته منظمات حقوق الإنسان.

ويكشف التحقيق، الذي نُشر الخميس، عن التسلسل القيادي الأميركي وعن المعايير المستخدمة لوضع إرهابي ما أو مشتبه به في ما يطلق عليه “قائمة القتل”. فيما أصرّ الموقع على عدم الكشف عن هوية المسرّب “نظراً لحساسية الوثائق ولأن الحكومة الأميركية تنتهج سياسة التعقب بحماس، لمن يميطون اللثام عن معلومات سرية”. وأشار “ذا انترسبت”، إلى أن المصدر المبلّغ قرر التحرك وتسريب هذه الوثائق لأنه “يؤمن بضرورة إطلاع الناس على كيفية اتخاذ القرارات على أعلى المستويات الحكومية لتنفيذ اغتيالات بواسطة الطائرات بدون طيار”. خصوصاً وأن الولايات المتحدة تستخدم الطائرات بدون طيار، منذ سنوات، في حملتها ضد الإرهابيين، سواء كسلاح أو في أغراض الاستطلاع، في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن وكذلك في كل من سوريا والعراق.

استهداف “الأعداء”

التحقيق الذي يحمل اسم “أوراق طائرة بلا طيار” The Drone Papers، والذي أعده الصحافي جيرمي سكاهيل مع مجموعة من الصحافيين الآخرين، يكشف عن العمليات السرية التي قادتها الولايات المتحدة في السنوات السابقة. ويعتمد التحقيق على أسلوب السرد والتحليل، مرفقاً بالكثير من الصور والرسوم البيانية والتوضيحية، ما يساعد القراء المهتمين على التعرف على كيفية مقاربة وتعاطي جهاز الأمن القومي الأميركي مع قضية مكافحة الإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من أيلول.

إلى جانب تسليطه الضوء من خلال مجموعتين من الشرائح (الصور) على عمليات الطائرات بدون طيار التابعة للجيش الأميركي في الصومال واليمن بين عامي 2011 و2013، من قبل فرقة العمل السرية رقم 48-4، تظهر وثائق إضافية عمليات مشابهة قامت بها الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث صنفت الحكومة الأميركية أشخاصاً مجهولي الهوية، قتلوا في غارات تلك الطائرات، على أنهم “أعداء”، حتى لو لم يكونوا من الأهداف المرجوة، وبالتالي إخفاء المدى الحقيقي لسقوط ضحايا من المدنيين.

ومنذ نشر التحقيق انشغلت وسائل الإعلام الأميركية والغربية بخبر التسريبات وبما جاء في مضمونها، واعتبرت مجلة “فورين بوليسي” أن التحقيق بأجزاءه الثمانية يتضمن العديد من الأسرار الجديدة التي تجعل من هذه السلسلة مرجعاً هاماً للأشخاص الملتزمين أو المهتمين باستراتيجيات وسياسات مكافحة الإرهاب الأميركية.

الافتقار إلى الدقة والشفافية

ومن ضمن ما تكشفه الوثائق أنه في 2 حزيران/يونيو 2012، أذن الرئيس الأميركي باراك أوباما بتنفيذ عملية خاصة خلال 60 يوماً من أجل استهداف وقتل 16 شخصاً في اليمن ضمن عملية أطلق عليها Operation Copper Dune، إضافة إلى قتل 4 أشخاص في الصومال ضمن عملية أخرى حملت اسم Operation Jupiter Garret. ولكن تم الحصول لاحقاً على أدلة، تكشف أن هاتين العمليتين قتلتا 19 في المئة فقط من المتشددين المشتبه بهم والإرهابيين المستهدفين، ما أثار السؤال حول كيفية إدارة وشن هذه الهجمات، وعن عدد المدنيين الذي قتلوا عن غير قصد، مثل المواطن من أصل أميركي، عبدالله العوقلي.

بموازاة ذلك، تحكي “أوراق الطائرة بدون طيار” قصة المواطن البريطاني من أصل لبناني، بلال البرجاوي، الذي نشأ في المملكة المتحدة، واشتبه بأنه على صلة بتنظيم “القاعدة” في شرق أفريقيا فترة العشرينيات من عمره، ما دفع الحكومة البريطانية إلى سحب الجنسية منه، ودفع الولايات المتحدة إلى وضعه على “قائمة القتل”. وعلى الرغم من شيوع معلومات عن أن البرجاوي قُتل خارج مقاديشو في الصومال في كانون الثاني/يناير 2012 بصاروخ استهدف سيارته، يكشف تحقيق “ّذا انترسبت” أن الولايات المتحدة رصدت تحركات البرجاوي مدة 5 سنوات على الأقل قبل أن تقوم بقتله، وأنه كان هدفاً لواحدة من العمليات الخاصة السرية، وأن مراقبة هاتفه الخليوي ساعد بتسهيل الضربة وقتله.

وتتضمن الأوراق أيضاً مجموعة من المعلومات السرية التي تكشف عن افتقار حملة الاغتيالات عبر طائرات بدون طيار إلى الدقة في العمل وتحديد الأهداف، حيث تفيد إحدى الوثائق المسربة أن “نحو 90 في المئة من الأشخاص الذي قتلوا في غارات جوية، خلال فترة 5 أشهر، لم يكونوا من ضمن الأهداف المقصودة”.

ويشير تحقيق “ذا انترسبت” إلى أن الطائرات بدون طيار تعدّ سلاح الرئيس الأميركي باراك أوباما الأول، وهي تستخدم من قبل الجيش ووكالة الاستخبارات المركزية من أجل تنفيذ اغتيالات في كل مناطق الحرب المعلنة وكذلك في المناطق الواقعة خارج مناطق الحرب المعترف بها”. وعلى الرغم من أن الحكومة الأميركية أكدت باستمرار على أن تشغيل برنامج “القتل المستهدف” طالما خضع للرقابة الصارمة واختبارات الدقة، إلا أن ذلك غير دقيق، فاستهداف الناس الأبرياء، ومن بينهم مدنيون أميركيون، هو أوضح دليل على ذلك. فيما يكشف التحقيق أيضاً أن الولايات المتحدة وصفت، عمداً، الأشخاص الذين قضوا عبر “الدرون” بـ”المقاتلين الأعداء”، على الرغم من أنها لم تصب كل الأهداف المقصودة في كل عملياتها.

ردود الأفعال الأولية

في أعقاب نشر التقرير، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، الخميس، إن الرئيس باراك أوباما يحاول “الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الشفافية في عمليات مكافحة الارهاب في العالم”، مضيفاً ان “الجهود تكثف في هذه العمليات لتفادي وقوع ضحايا مدنيين، على عكس ما تقوم به تنظيمات مثل حركة طالبان، التي تقوم بعمليات ضد مدنيين ابرياء في استراتيجية منسقة للتحريض على العنف والاضطرابات”.

“منظفة العفو الدولية” دعت الكونغرس الأميركي للبدء بإجراء تحقيق فوري ومستقل حول الغارات التي تشنها الطائرات بدون طيار في الخارج بإذن من إدارة أوباما”. وفي بيان صادر عنها، قالت المنظمة إن “هذه الوثائق تثير مخاوف جدية حول ما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قد انتهكت بشكل منهجي القانون الدولي، بما في ذلك من خلال تصنيف مجهولين بالمقاتلين لتبرير عمليات القتل”. من جهته، دان “الاتحاد الأميركي للحريات المدنية” استخدام برنامج “القتل المستهدف”، بعد الكشف عنه من قبل “ذا انترسبت”، مشيراً إلى أن “هذا البرنامج بات يحتاج إلى الشفافية والمساءلة بشدة، لأنه يقوّض الحق في الحياة والوطنية والأمن”.

سنودن جديد؟

منذ أكثر من عام، كانت هناك تكهنات بشأن “مسرب ثانٍ” بعد الموظف السابق في “وكالة الأمن القومي” إدوارد سنودن، ولكن حتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كان هذا الشخص، أو أي شخص آخر، هو المصدر لـ “أوراق الطائرة بدون طيار”، على ما ذكر موقع “هافنغتون بوست”.

وكانت قناة “سي إن إن” قد ذكرت في آب/أغسطس 2014، أن الحكومة الأميركية تعتقد أن المسرب الثاني قدّم معلومات إلى موقع “ذا انترسبت” حول قاعدة بيانات الولايات المتحدة بشأن الإرهابيين والمشتبه بهم. وفي العام نفسه، صرّحت الصحافية لورا بويترس، في نهاية فيلم “المواطن الرابع” (الذي أعدته حول إدوراد سنودن)، أن “هناك مصدراً ثانٍياً غير سنودن”. كما صرّح الصحافي جيرمي سكاهيل لموقع “ديموكراسي ناو”، عن وجود “مسرب ثان يتمتع بقدر عال من الجرأة والشجاعة”.

وبعد مرور أسابيع على العرض الأول للفيلم المذكور ذكرت خدمة “ياهو” الإخبارية أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قد حدد أحد الأشخاص الذين يشتبه بقيامهم تسريب وثائق تتعلق بمكافحة الإرهاب. وأن المكتب قام بالبحث عنه شمالي ولاية فيرجينيا وتم فتح تحقيق جنائي في الأمر، فيما لم تعرف هوية الشخص في التقارير الإخبارية. وبرغم التكهن الحالي بهوية مسرب الوثائق الجديدة حول عمل الطائرات بدون طيار، إلا أن متحدثاً باسم “ذا انترسبت” قال لموقع “هافنغتون بوست” إنّ الموقع لن يقوم بالكشف لاحقاً عن هوية المصدر، وسيكتفي بما ذكره في سياق التحقيق المنشور.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى