أوروبا تخشى قنبلة اللاجئين/ جمانة فرحات
بينما كانت تحاول تهدئة ابنها على حجرها بانتظار وصول دورها، لم تتوقف عيناها عن مراقبة العمال في أثناء قيامهم بوضع مقاعد تسمح للمئات من السوريين الذي يتوافدون يومياً إلى الباحة الخارجية لمقر المفوضية العليا للشؤون اللاجئين في منطقة بيروت بهدف تسجيل أسمائهم للحصول على مساعدات.
أم خالد، التي اجبرتها الحرب في سوريا على الانتقال إلى لبنان مع أسرتها المؤلفة من ٣ أولاد وزوجها المريض، تعوّل على مساعدات المفوضية لتعينها على سد رمق أطفالها. وضع أم خالد يشاركها فيه قرابة ٨٥٠ ألف سوري مسجلين لدى المفوضية ويتلقون منها المساعدات.
المفوضية تؤكد على لسان مسؤولة المعلومات، دانا سلمان، أنها تبذل ما في وسعها لمساعدة اللاجئين لكن “ما منقدر على مساعدة كل شخص وبكل شي”. ارتفاع أعداد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية دفعها إلى اتباع استراتيجية جديدة ترتكز على استهداف الفئات الأكثر احتياجاً.
عن هذا الأمر توضح سلمان ان المفوضية قامت بدراسة مع كل من اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي عن أوضاع السوريين، وهو ما مكنها من الحصول على معلومات أوسع، اذ تبين أن ٧٠ في المئة من المسجلين لدى المفوضية لا يستطيعون الاستمرار من دون مساعدات المفوضية وهم باتوا ينالونها بانتظام.
في المقابل، فإن الـ٣٠ في المئة المتبقية أقل اضطراراً، لا يحصلون على مساعدات، إلا أن جزءاً منهم استأنف قرار المفوضية، فيما تعمل المفوضية حالياً على القيام بزيارات ميدانية للأشخاص غير المشمولين بمساعداتها لتحديد ظروفهم. وهي مساعدات تتراوح بين بدل ايواء ومساعدات غذائية فضلاً عن تأمين الطبابة والتعليم الذي يشمل فقط ١٠٠ ألف طفل من أصل تقديرات تتحدث عن ٣٠٠ ألف طفل سوري موجودين في لبنان.
وتوضح سليمان أن العائق أمام رفع نسبة الاستفادة من مختلف المشاريع يتمثل في النقص في التمويل. وهو تمويل تعتمد عادة المفوضية لتأمينه على مجموعة من الجهات بينهم على سبيل المثال الاتحاد الأوروبي، الذي يعد ثالث أكبر جهة ممولة للمفوضية في ما يتعلق بالملف السوري.
سفيرة الإتحاد في لبنان انجلينا ايخهورست، أوضحت في حديث لـ”المدن” أنه من أصل 1.85 مليار يورو خصصها الاتحاد لمساعدة نحو 10 ملايين نازح داخل سوريا ولاجئ في الخارج، نال لبنان 232.8 مليون يورو.
هل هذا كاف؟ من وجهة نظر ايخهورست الإجابة قطعاً لا، اذ تقول: “نعلم اننا لا نفعل ما فيه الكفاية . هناك احتياجات هائلة جدا، ونحن ( الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ) نسعى إلى إيجاد موارد إضافية ليتم تخصيصها للبنان والأردن وتركيا. لكن الاحتياجات هائلة. ونحن ندرك تماما ان هناك أناسا لا يحصلون على المساعدة التي يحتاجونها، لكن أيضاً هناك أناس كثر يحصلون على المساعدة”.
وتضيف: “دورنا هو التأكد من أن الناس لحظة عبورهم من سوريا الى لبنان يستقبلون بشكل جيد ويحصلون على الخدمات الأساسية والحماية والتعليم والمأوى، ومساعدة الأطفال والنساء. الحماية تأتي أولا ثم باقي الخدمات. نحن نقدم الكثير من الخدمات”، وتتابع: “المسألة هي ان علينا أن نكون دائماً على استعداد لإيجاد موارد إضافية والعمل بشكل أفضل مع جميع الوكالات و الجهات الفاعلة مع الحكومة”.
وعند الحديث عن الحكومة لا تتردد سفيرة الاتحاد في لبنان في القول “نحن بحاجة إلى حكومة متماسكة بالكامل لكي نتأكد أن مواردنا لا تهدر”.
في المقابل، تبدي ايخهورست ارتياحها إلى تعاطي الدولة اللبنانية مع ملف الحدود، مشيرةً إلى أن “لبنان بلد يملك السيادة والسلطة على أراضيه وحدوده، لكنه أثبت منذ اليوم الأول تقيداً قوياً وملحوظاً – قدر الامكان – بالالتزامات الدولية، اذا فتح حدوده وهذا يثبت انه – على الرغم من الازمة في البلاد – فإن لبنان يقبل اللاجئين ويقدم أكبر قدر ممكن من المساعدة. هذا امر ملفت حقاً”.
ثناء سفيرة الاتحاد الأوروبي له ما يبرره أيضاً. تقول: “أستطيع التحدث لساعات عن الألم والناس الذين يعانون في سوريا، ولكن يجب أيضاً أن اعترف بالانجاز المدهش لكيفية إدارة هذه المسألة في لبنان وتعاطي البلاد مع اللاجئين”، مضيفة “أنتم تعيشون في هذه البلاد وتعيشون هذا الواقع كل يوم. أي بلد في هذا العالم كله بإمكانه تحمل عبء زيادة عدد سكانه بنسبة 25 ٪ خلال عام فقط؟”.
هنا تحديداً، لا تتردد ايخهورست في الحديث عن مخاوفها، تقول: “مصدر القلق الرئيسي هو عدم معرفة متى ستتوقف هذه الحرب.. نحتاج إلى وقف إطلاق نار الآن”. وتضيف: “اذا لم تنته الحرب، يجب أن نفكر الى أي حدّ سيصل القتال وكم يستمر اذا هناك المزيد من المعارك: هل سوف يكون هناك المزيد من اللاجئين القادمين؟”.
هذه الأسئلة الكثيرة التي تطرحها ايخهورست مردها إلى هاجس لدى الاتحاد الأوروبي أن “اللاجئين بالتأكيد يمكن أن يصبحوا قنبلة موقوتة، ولذلك هناك حاجة ملحة للقيام بكل ما يمكننا القيام به لوضع حد للحرب في سوريا التي هي قنبلة موقوتة بحد ذاتها”
المدن