أوسكار زوجة الرئيس
يزن الحاج
أضواء خشبة توزيع جوائز الأوسكار تعمي الأبصار، فالاحتفاء هذا العام سيكون للسياسة. ليست إيران هي محور الجدالات، ولا إسرائيل، أو فلسطين، أو “حياة الهسبانيك الوافدين من الحديقة الخلفية للإمبراطورية الأميركية” بالرغم من الجرعة السياسية الكبيرة التي أُتخمت بها أفلام الأوسكار لهذا العام.. بل هي ميشيل!
حضور السيدة الأولى نسف كل تلك التفاصيل، لتنتقل الكاميرا ببساطة من السينما إلى السياسة، ومن المحتفى به إلى صاحب الاحتفاء، ولتصبح علامة أوسكار الفارقة، هذا العام، هي ميشيل أوباما. إذ شكّل حضور ميشيل، والاحتفاء الهوليووديّ الضخم بها مركز الاهتمام في الصحافة الأميركية بألوانها، فتحوّل الصحفيون، بل وحتى “الباباراتزي” إلى مصوّري زوجة سيادته التي اختطفت الكاميرات من سادة هوليوود.
كان من المفترض، في العرف الهوليووديّ، أن يحتفي السياسيّون بالفن، لا العكس. ولكنّ حفل هذا العام قلب الموازين، أو بالأحرى أعادها إلى “بدائيّتها”، إذ لم تختلف البروتوكولات الهوليووديّة عن بروتوكولات أي بلدٍ من بلدان العالم الثالث، ابتداءً بـ “استقبل وودّع”، وصولاً إلى وجوب “تشريف القائد” للمناسبات الثقافية والفنية التي لن يحلم صانعوها بتغطيةٍ صحفية لائقة سوى في الدقائق التي يبتسم فيها الزعيم عند مصافحة مثقّفيه وفنانيه.
حرارة أضواء تلك الخشبة انتقلت بسلاسةٍ غريبةٍ إلى صفحات النقد في الدوريات الأميركية الرصينة التي كانت تمتاز ببرودة وصرامة نقّادها الذين انقسموا إلى فريقين احتفى الأول بميشيل، فيما تبادل أفراد الفريق الثاني قذف الكرات بين إيران فيلم “آرغو” وفلسطين المتشظّية في فيلمين تسجيليّين مثّل كلٌّ منهما طرفًا من طرفَيْ الصراع، فكانت “الكاميرات المحطَّمة” من نصيب عماد بورناط الفلسطينيّ، جنبًا إلى جنب مع “حرّاس البوّابة” في الفيلم الإسرائيلي الآخر؛ تلك البوابة هي ذاتها التي حاول بورناط تعريتها سينمائيًا.
المفاجأة هي أن الجدل لم يكن على المستوى الفنيّ، بل بخصوص الاعتقال المؤقت والتهديد بالترحيل للمخرج الفلسطيني من مطار لوس أنجلس. مقالةٌ واحدةٌ فقط (ضمن ملف ضخم أفردته مجلة “ذا نيشن“) حاولت تجاهل الطوفان السياسيّ، وتمسّكت بالفنّ فحسب في نقدها للفيلمين التسجيليّين الفلسطينيّ والإسرائيليّ، بالرغم من عدم فوز أيٍّ منهما بالجائزة، دون أن يكترث كاتب المقال لزوبعة مطار “لاكس”، أو حتّى نظرة السياسة في الفيلمين، بل وضع العناصر الفنية فحسب أمام عينيه متجاهلاً كلّ ما عدا ذلك.
وبعيدًا عن فوز فيلمٍ “معادٍ لإيران” بالأوسكار، أو ملامسة أفلامٍ أخرى لقضايا سياسيّة ساخنةٍ وشائكة، كان للسياسة حضورها الصارخ في النّقد والإبداع الذي تجلّى في نموّ تيارٍ كان يُفترض به أن يكون تيّارًا معارضًا بالمعنى الفنيّ، ولكنه انساق مع الأضواء وتحوّل إلى تيّارٍ سياسيٍّ بجناحٍ فنيٍّ لا يبتعد كثيرًا عن الأيديولوجيا التي كانت “مرحومةً” وأُعيد نبش ترابها بأدواتٍ أميركية صرفة هذه المرة.
وكما لم يتذكّر الجمهور مايكل مور إلا في عبارته الشهيرة “عارٌ عليك سيّد بوش!”، متجاهلين الخطوات الهامّة التي رفع فيها مور الفيلم التسجيليّ إلى مستوى الروائيّ، كذلك كانت عليه الحال مع عماد بورناط الذي كان مخرجًا تسجيليًا مهمًا وتحوّل فجأةً إلى مجرّد “متّهمٍ آخر بالإرهاب” يحتاج مساعدة مايكل مور السياسية لا الفنية لينال رضا “حرّاس البوّابة” ذاتهم.
وقد لا يبدو الأمر مبالغًا به فيما لو حاولنا الربط بين غرق مور (كمخرجٍ “معارضٍ” بمعنى من المعاني) والنقّاد الأميركيّين في المستنقع ذاته الذي كان يحذّر من الانزلاق فيه، حينما خلعوا العباءة الفنية وانغمسوا في السياسيّ المباشر، وبين زحف أوباما من صفوف المعارضة إلى كرسيّ الحكم اعتمادًا على “فرسان الثقافة والفن” وبروز تلك الهالة العملاقة لميشيل في الإعلام الأميركيّ.