أوهام الدكتاتور وخيالاته
هوشنك أوسي
يبتسم ناظراً إلى ضحاياه. لا يحبّ المعارضين إلاّ موتى. جاهزٌ للحرب، متى ما فرضها الأعداء عليه. الشعب هو، والوطن، والمجتمع، والجسور، والأنفاق، الحدائق، الشوارع، المدارس، المعاهد، الجامعات، المكتبات، المنتزهات، المطارات، الملاعب الرياضيّة…، ذلك أن الزعيم لا ينتهي.
هو الإله، موجود في كل مكان!. لا ينام أبداً، عينيه، بل أعينه وآذانه وأيديه موجودة في كل مكان، ساهرة على راحة البلاد والعباد. تراقب كل شيء. تسمع كل شيء، حتّى حديث النملة مع عشيقها، يصل للزعيم.
الزعيم غازقٌ في حبِّ الشعب، والشعب غارقٌ في حبّه. متيّمٌ بحبِّ الوطن، والأخير مهووسٌ به. لذا، يعتبرُ الديمقراطيّةَ كابوساً ومؤامرةً على الشعب، والحريّةَ سمَّاً للوطن. ودودٌ وحليمٌ ورؤوفٌ ورحيم، حدّ التوحّش. هو لا يريد المناصب. المناصب هي التي تريده. يضحكُ ملئ شدقيه، ضحكته الصفراء، ناظراً إلى معارضيه، قائلاً: “ما أروعكم وأنتم موتى. التاريخ من قبلي عدم.
التاريخُ من بعدي ندم. الوطنُ قبلي خراب. الوطنُ بعدي جحيم”.
خلاّق وفنانٌ ومهنّدس في ابتكار الرعب والرهبة والهيبة. يقف أمام مجلس شعبه. ينظر إليهم بمنتهى التواضع، و”البرلمانيون” يصفّقون له، ويبدون فنون الذل والمهانة والصفاقة والطاعة له، بمنتهى الواضعة. يقول لهم الزعيم: كلكم إصلاحيون. فيردّون بالتصفيق. يقول: سنبيد الخونة، ونحبط المؤامرة، حتّى آخر فرد من الشعب. فيردّون بالتصفيق. شأنهم شأن العبيد، وبل أضلُّ سبيلا. شأنهم شأن الدمى، وجوقة الدّجّالين والأفّافين وباعة الشعب وناهبيه واللصوص. بل هم كذا. وبنتهى الخطاب، ولا تنتهى الجريمة.
من تونس الى مصر، فليبيا، ومروراً باليمن، وصولاً لسورية. قافلة الزعماء تسير نحو الحتف. أوهامها هي التي أودت بها. كانت تظنّ أن الشعوب ماتت، و”صارت عظامها مكاحل” كما يقول المثل الشامي الدارج. كانت تتوّهم أن القاع، سيبقى قاع، والقمّة ستبقى قمّة.
من قال أن الزعيم يخطئ!. الزعيم هو الحقيقة والصواب الأبديين. صحيح أنه يتوهّم، إلاّ أنه لا يخطئ. الزعيم، حكيم الأمّة وأملها وعقلها وروحها وقلبها ودمها وجسدها وظلها. لذا، يخاطبه الشعب: “بالروح بالدم نفديك يا زعيم”.
الوحيد الذي استيقظ من كابوس الزعامة وفهم الشعب، حتّى ولو في اللحظة الأخيرة، المتأخِّرة، كان زين العابدين بن علي. قال للشعب: “فهمتكم” ورحل. مبارك أيضاً، فهم الشعب، إلاّ أنه لم يرحل، حتّى أُجبِر على ذلك. أمّا القذّافي وصالح والأسد، لا يرحلون، ليس لأنهم لم يفهموا الشعب. وليس لأنهم لم يشبعوا من السلطة ونهب الأوطان والشعوب. بل لأنهم يدركون أن الشعوب، لن تكتفي برحيلهم. وأنها ستقاضيهم، وتصادر أموالهم، وتزّجهم في السجون. لذا، يقول القذّافي وصالح والأسد: أنا ميّت ميّت. وسأحاكم وأسجن. فلأحرق الوطن قبل أن يحرقني. “لأتغدّا بالشعب، قبل أن يتعشّا بيّ”.
وفي هذا السياق، وضعُ الرئيس السوري، مختلف تماماً عن وضع بن علي ومبارك والقذافي وصالح. ذلك أن بشّار الأسد، حتّى لو لم تصل الانتفاضة الى سورية، وتهدد نظامه، فهو كان سيحاصر بقضيّة المحكمة الدوليّة المعنيّة باغتيال الحريري. واللافت أن الرئيس السوري، ومنذ سقوط نظام صدّام حسين، وكي يفرض وجوده في الإقليم، ويبعد شبح التدخّل ضدّ نظام حكمه في سورية، كان يتدخّل في العراق ولبنان، بشكل دموي ووحشي، كي يفرض أجندته هنا وهناك. إلاّ أن حساباته الآن، كلها في الحضيض. فالشعوب اذا استيقظت من الاستبداد، لن تنام إلاّ في ظلال الحريّة. ولئن الخوف هو صناعة الاستبداد، وإبداع الطغاة، فبسقوط الخوف، يسقط الطاغيّة المستبدّ ونظامه. وعليه، أوهام الدكتاتور وخيالاته، ونرجسيّته وجنون العظمة لديه، هي التي تقتله.
هذه السنة، ستشهد سقوط آخر أوراق شجرة الاستبداد في الشرق الأوسط. لقد حصل بشّار الأسد على رتبة “النظام السابق المخلوع”، منذ بدئه اجتياح درعا بالدبابات. وبقيّة القصّة، ستكون مؤلمة ودامية جدّاً، لكن، ختامها الحريّة، بإذن الشعب وأبطاله وأحراره.
كاتب كردي سوري