أوهام سورية متبادلة
ساطع نور الدين
من المحرج أن تبدو اميركا وروسيا أنهما اكثر تعقلا وحرصا على الدم السوري من دول واحزاب وشخصيات معنية بالازمة السورية، تدفعها الحماسة الى اتخاذ مواقف علنية مسيئة لمصالح سوريا وشعبها على اختلاف انتماءاته وتوجهاته.
بعد مؤتمر تونس الذي انعقد في ٢٤ شباط الماضي، وأحبطت اميركا اندفاع معظم المشاركين العرب وبعض المشاركين الأجانب فيه الى تسليح المعارضة السورية، وتوسيع نطاق الحرب الاهلية بين السوريين، جاء مؤتمر اسطنبول ليقدم دليلا جديدا على أن الدول الكبرى واعية لمخاطر مثل هذا الخيار، الذي ينسبه المعارضون السوريون الى اللامبالاة العربية والعالمية بما يتعرض له الشعب السوري او الى التواطؤ مع النظام على مصالح لا يمكن لغيره ان يضمنها، او على محاور لا يمكن لسواه ان يحفظها.
الحضور في اسطنبول كان اكبر من تونس، وكذا المستوى والخطاب المرتفع. لكن المحتوى لا يمكن ان يقاس بدرجة التجاوب مع مطالب المعارضة السورية في التمويل والتسليح، بل اساسا بطريقة التعاطي مع النظام، الذي وضعت على طاولته خطة النقاط الست من قبل المبعوث العربي ـ الدولي كوفي أنان، وبات مدعوا الى تنفيذها في مهلة زمنية محددة… وصولا الى تطبيق البند الخاص بتفويض صلاحياته الى نائبه للتحاور مع المعارضة، وهو اجراء سبق لدمشق ان اتخذته قبل اعلان تلك الخطة.
ما يميز مؤتمر اسطنبول عن مؤتمر تونس، هو انه يساهم في اعادة الجميع الى ارض الواقع: لا يحصل النظام على فرصة مفتوحة لمواصلة حملته العسكرية، ولا تحصل المعارضة على ما يلبي أحلامها السابقة التي بلغت حد توهم غزو أطلسي لسوريا، وما زالت تتصور ادارة عربية ودولية لحرب اهلية على الطريقة اللبنانية. ويعمل كوفي أنان على اساس ان مؤتمر باريس المرتقب الشهر المقبل هو الموعد المحدد للحكم على امكان نجاح مهمته او انهائها.
فكرة مؤتمر اسطنبول هي أنه اعتمد على واقعية أميركية وروسية (وتركية) هو أنه يحيد ولو لشهر، مواقف الحد الأقصى التي عبّر عنها النظام وحلفاؤه سواء بالإعلان المتسرع عن نهاية الأزمة او بالإصرار على اولوية الخيار العسكري، او التي عبّر عنها المعارضون وحلفاؤهم سواء بنعي النظام او نفي وجوده ووجود أنصاره، ويفسح المجال امام لغة جديدة تعترف باستحالة الغاء الاخر او تصفيته، يمكن ان تؤسس لوقف ذلك النزف السوري الذي لا يملك احد في الخارج سبيلا لإنهائه.
لكن المؤتمر لن يكون اختراقا مهما، فقط لأن الخارج على اختلاف ميوله، لا يملك التأثير الحاسم على الداخل السوري بفريقيه اللذين يبدو أن صراعهما المفتوح منذ اكثر من عام، ما زال يحتمل المزيد من الاختبارات الدموية لموازين القوى، بمعزل عن كل ما يدور وراء حدود سوريا.
السفير