أيتها الطفلة التي كانت على الشرفة وصارت تحت الأنقاض/ عارف خمزة
[مثل بهيمة تحترق
الدمُ يجري في الشوارع مثل بهيمة تحترق
ليس في العروق الرقيقة فحسب .
وطوال الوقت نتفرّج على دمنا وهو يسيل كدمعتين .
يلهثُ أمامنا
ونلهثُ
للّحاق به .
نقفُ أمام الفاترينات ونتفرّج على صورتنا معكوسة
تحت الأحذيّة الثقيلة للعابرين .
/
لا أمَلُّ ولا أشبع
بل أطلب المزيد
مثل أسير
وليس الرحمة .
/
لا تخافي أيّتها الطفلة التي كانت في الشرفة
وصارت الآن تحت الأنقاض
أريدُ أن أستيقظ من موتيَ هذا
وأذهبَ لإنقاذكِ
رغم أنّني
لا أريدُ لأحدٍ
أن يُنقذني .
[مكان واسع ومهجور
لعلّكِ تأتين
فأتركُ المفتاحَ
تحت البلاطة ذاتها .
وأنتبه لإصلاح ضوء الممرّ
كي لا يحضنكِ الحائط فجأة .
كما أترك قطع الملابس متناثرة
بين الحمّام وغرفة النوم
كعادة
مَن يُهاجمونه بقسوةٍ .
لعلّك تأتين أيّتها الحياة
وتجدينَ مكاناً واسعاً
هجره الآخرون .
[سبب
أنا لا أحبّ العاجزين
لكنّ قلبي
يتشقـّق
بسببهم .
[لونُ عينيك
طوال كلّ هذه السنوات
وتلك الغزوات
طوال حياتكِ التي تستغرق حياة البشريّة
مع كلّ هذه المحن
والآهات
وخرافة وجود بشر
على هذه الأرض الوسخة .
طوال كلّ ذلك التحديق والآمال
والحبّ والكراهية
والانتظار والوداع والهجران .
طوال كلّ تلك الرقّة الجارحة
لم يعرف أحد
ما لون عينيكِ .
[صورة
إصبعان صغيران متباعدان في كفّ واحدة
بمواجهة جنديّ جميل بكامل عتاده .
الصورة تجعل بندقيّة رجل بمواجهة طفل .
عين مغمضة بقوّة
وعين مدفونة في مؤخـّرة بيت النار
بمواجهة
عينين
عسليّتين .
للحظة ترتجفُ الركبتان … ثمّ يدومُ ذلك
فيشيح الطفل بوجهه
كي لا يجرحَ
جسد الجنديّ الجميل أكثرَ
بصرامته .
[ الدم يُفسد المنام
طوال محنتكَ
لم أذكر اسمك كما اتفقنا
ولكنّني قلق عليك .
وكلّما أشغلتُ نفسي بشيء أُسرع إلى وضعه جانباً
فأجلس من جديد
وأقلقُ عليك .
أنت في السجن أعرِفُ .
وأعرفُ ما معنى تعليق قدميك بالسقف
أو ثقب كفـّك بسيجارة
أو حشركم في زاوية
ثم اختطاف أحدكم من العتمة
بيدٍ معدنيّة
كدجاجة من قن .
تقولُ زوجتك بأنّك لم تمتْ
رغم أنها رأتكَ في المنام
تلوّح لها بمنديل أبيض
مثقوب بالأحمر
وسطر أحمر يبلّل عنقك.
” الدم يُفسد المنام” . تقولُ لنا
وتبكي .
[اللوحات المنشورة في هذا العدد منتقاة من معرض “Syri-Arts” (مئة وواحد عمل فني من أجل الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان) الذي يفتتح في 30 تشرين الأول ويستمر حتى الثامن من تشرين الثاني 2013 في مركز بيروت للمعارض، البيال.
عارف حمزة
المستقبل