صفحات الرأي

أين المرأة العربية من ربيع الحريات في المنطقة؟


سارة طالب السهيل وشيرزاد عادل اليزيدي *

شكلت الخطوة التي أقدم عليها رئيس فرنسا الجديد فرانسوا هولاند عبر تشكيل حكومة مناصفة بين النساء والرجال بواقع 17 وزيراً و17 وزيرة، حدثا تأسيساً وغير مسبوق وخطوة كبرى حتى بمقاييس أعرق الديموقراطيات، للشروع في مساواة عادلة ومتكافئة بين الرجل والمرأة. ومع هذه المبادرة – الحدث، التي قد تشكل نموذجاً في مختلف بلدان العالم المتوثبة نحو المستقبل، يمكن القول إن الحكومة الاشتراكية الديموقراطية في فرنسا خطت خطوة جبارة نحو تحقيق المشاركة الكاملة والفاعلة للمرأة في مختلف مضامير الاجتماع، وبخاصة الاجتماع السياسي، ذاك ان كل الحديث عن التطور والمدنية والحضارة والديموقراطية يبقى منقوصاً ونظرياً أكثر منه عملياً عندما لا تتمثل المرأة بما هي نصف المجتمع في هياكل السلطة والدولة ومؤسساتهما. فمساواة المرأة بالرجل ينبغي أن تكون مناصفة كما هي الحال مع تشكيلة الحكومة الفرنسية التي هي سابقة قد تؤسس لتقليد أو حتى ربما لتشريع ينص على ضرورة أن تكون الحكومات الفرنسية المقبلة ملزمة بمبدأ المناصفة بين الرجال والنساء.

في غمار الثورات والانتفاضات العربية يتم الى حد كبير إهمال محورية وأولوية تحرر المرأة في سياق انتشال مجتمعاتنا ودولنا من مهاوي الاستبداد والتخلف. بل الأنكى محاولة الالتفاف على بعض المكاسب الجزئية المتحققة للمرأة في بعض البلدان العربية كتونس مثلاً على وقع صعود التيارات الاسلامية واستفادتها من حال الموات والقحط السياسيين العاصفة باجتماعات منطقتنا بعد طول استبداد وتجويف لمقدرات وقابليات الابداع والتطور المجتمعي والسياسي. من هنا، فإن تحرر المرأة وتمكينها هما شرطان لأي عملية تحول ديموقراطي بنيوية تبتغيها مجتمعاتنا، فتهميش المرأة وضعف مشاركتها في زمن التغيير والتحولات العاصفة الذي نعيشه انما يعكسان إيغالاً في الممارسة الاستبدادية السلطوية والذكورية التي لطالما ابتليت بها مجتمعاتنا المحكومة بطغاة لطالما أرهبوا شعوبهم وتسلطوا عليها تحت دعاوى الرجولة والفروسية، أوَلم يكن يتشدق جلاد العراق صدام بكونه فارس العرب وسيفهم وغيرها من نعوت أُسبغت عليه وقس على ذلك. فقضية المرأة يجب أن تكون على رأس سلّم أولويات التغيير، ومجرد الحديث الشعاراتي وبعض التشريعات الهامشية التي تلامس قشور عملية تمكين المرأة وليس لبّها، ما عادت تلبي الحاجة الماسة الى إنجاز تحرر جذري للنساء في عالمنا العربي والاسلامي، لا سيما أن لهن دوراً مشهوداً في موجة الحراك الانتفاضي على الاستبداد. فمثلاً في المناطق الكردية من سورية تتصدر المرأة المشهد الثوري هناك وتلعب دوراً محورياً في فعاليات الثورة على النظام البعثي ويومياتها حتى أنها وللمرة الأولى في التاريخ السياسي في كردستان سورية وصلت الى تبوّء قيادة أحد أكبر الأحزاب الناشطة حزب الاتحاد الديموقراطي، فضلاً عن مشاركتها في مجلس الشعب لغربي كردستان بعضوين في الهيئة الكردية العليا في سورية المنبثقة عن اعلان هولير (أربيل) بين مجلس الشعب والمجلس الوطني الكردي.

وعلى رغم التحسن النسبي في أحوال المرأة في مختلف بلدان المنطقة وإن بتفاوت من بلد الى آخر، ففي العراق مثلاً تشكل نسبة النساء في البرلمان 25 في المئة، أما في برلمان اقليم كردستان فتصل النسبة الى 30 في المئة وبعد المؤتمر الأخير للاتحاد الوطني الكردستاني، وهو الحزب الاشتراكي الديموقراطي، حاز العنصر النسوي نسبة أكثر من 20 في المئة في قيادة الحزب، إلا أن كل ذلك يبقى تحسناً غير كاف.

ومع أن مثل هذه التطورات مهمة ومبشرة بمستقبل أفضل للمرأة وتالياً للمجتمع ككلن لا بد من تطويرها والبناء عليها على رغم أخذنا في الاعتبار فارق التطور المجتمعي السياسي بيننا وبين المجتمعات الأوروبية الغربية التي قطعت أشواطاً طويلة على طريق نشر الديموقراطية ومأسسة مشاركة المرأة ومساواتها مع الرجل، لكنها لا تواكب الإيقاع السريع الذي يجب أن تتسم به صيرورة تحرر المرأة وتمكينها في مجتمعات ذكورية متخلفة لن تخرج من شرانق الاستبداد والظلام المخيمة عليها منذ قرون وقرون ما لم تشرع في إطلاق عملية تحرر ناجز للمرأة ومساواتها التامة والمطلقة مع الرجل بما يتيح لنا الإقلاع نحو فضاءات المستقبل.

فالمرأة العربية والشرقية بعامة تعاني ميراث قمع طويل من الظلم والإجحاف يمتد لقرون في معاناة مديدة قد تختلف حدّتها من بلد الى آخر ومن بيئة الى أخرى مما يرتبط بعوامل الدين والعادات والتقـاليد. وعلى رغم المستجدات التى حدثت في العصر الحديث من تقدم مادي وقيمي وتطور تكنولوجي ودخولنا عصر النت والسموات المفـــتوحة وثورة المعلومات الهائلة وبروز قيم كونية عابرة للحدود كالمساواة والحرية والتعددية… إلا أن ذلك لم يخفف معاناة المرأة بيــن ظهرانينا وصراعها الدائم مع الرجل ومطالبتها بحقوقها… في ظل مجتمعات ذكورية أعطت التفوق والقوامة للرجل على المرأة، بل إن المقاربة السائدة في معظم مجتمعاتنا قائمة على نظرة دونية للمرأة بصفتها تابعة للرجل وليس لها الحق تالياً في المطالبة بأي حق من الحقوق التي كفلتها لها كل الشرائع السماوية والوضعية.

التميز الاستعلائي على المرأة الذي أعطاه الرجل لنفسه مرجعه الجنس والاختلاف البيولوجى بين الجنسين لا أكثر وهو تمييز لا علمي ممقوت ومرفوض بكل صوره، بل هو تمييز عنصرى. وللأسف، على رغم الدور الكبير الذى لعبته المرأة في ثورات ربيع الشرق الأوسط، إلا أنه لم يتم منحها أي دور سياسي أو اجتماعي أو الاعتراف بما قدمته من تضحيات وإسهامات في هذه الثورات، فضلاً عن أن تضحيات المرأة لا تقف عند هذه الثورات ولم تبدأ معها بل هي ممتدة على امتداد التاريخ، وحسبنا الاشارة على سبيل المثال الى المناضلة الجزائرية جميلة أبو حيرد التي قاومت الاستعمار وشاركت في المقاومة وتحملت التعذيب وضحّت بحياتها من أجل حلم راود الكثيرات غيرها من أبناء وطنها وبناته وهو الحرية، فدور المرأة وحضورها عبر التاريخ يتمظهر من خلال سيدات عظيمات ورائدات تولين مقاليد الحكم ومنهن من قدن الجيوش والأمثلة كثيرة، فهناك الملكة حتشبسوت وكيلوباترا وشجرة الدر…

فليس عبثاً القول الدارج: «وراء كل رجل عظيم إمراة»، اذ هناك دوماً سيدات فى عصرنا وقفن وراء نجاح الرجل سواء كان زوجاً أو إبناً… وعلى رغم كل ما قدمنه عبر التاريخ وحتى الآن، إلا ان المجتمع الذكوري يأبي إلا أن يقف امام مطالبتهن بحقوقهن سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.

الأدهى من ذلك، أن بعض المجتمعات القبلية في ربوعنا لا تعترف للنساء حتى بذمة مالية مستقلة عن أزواجهن ولا تعترف بحق المرأة في الميراث المقرر شرعاً بالقرآن ناهيك عن القوانين المدنية وذلك بسبب النظرة المتخلفة للمرأة كونها ستتزوج وتذهب الى بيت رجل غريب فيجب والحال هذه وفق هذا المنطق الظلامي السخيف ألا تأخذ من مال أهلها لتعطي هذا الرجل الغريب، بل يجب أن يبقى المال محصوراً بالذكور من الأسرة فقط وقصره عليهم دون النساء، وقس على ذلك فشر بلية التخلف ما يضحك.

النهوض بالمرأة بما يكفل لها حقوقها ويعرفها بواجباتها لتحقيق هدف أسمى هو تحرير المرأة وتمكينها ومساواتها بالرجل، ولطالما عقدت ندوات ونظمت مؤتمرات وحلقات بحث من أجل هذا الهدف غايتها مصلحة المرأة وتحريرها ورفع الظلم عنها والاستفادة من طاقات المجتمع النسوية المعطلة. هذه الحقوق والواجبات مرتبطة بطبيعة المرأة وفطرتها وخلقتها، فوظيفة الرجل في الحياة تختلف عن المرأة، تبعاً لاختلاف طاقات الرجل عن طاقات المرأة، وليس معنى ذلك أن المرأة لا تمتلك طاقات أو مهارات، بل على العكس من ذلك تماماً، اذ لديها طاقات ومهارات في مجالات شتى لا يجاريها فيها الرجل، فوضع المرأة المزري في المجتمعات العربية هو المثال الأفصح على القهر الاجتماعي بكل أوجهه وعجزها يعتبر أوضح تعبير عن شعور العجز والقصور وعقد النقص والعار التي يعانيها أفراد المجتمع في أنظمتنا العربية مما يرتبط كل الارتباط بقهر المرأة العربية المضاعف والمركب: اجتماعي – اقتصادي – سياسي – ديني.

على المرأة في مجتمعاتنا أن تناضل في سبيل بلوغ أحلامها وطموحاتها التي لم ولن تتحقق طالما بقيت أسيرة دوامات التربية التلقينية البالية والتقاليد والعادات الموروثة وأفكار الرجل الشرقي المنغلقة وقد لا تتوافق أحلامها وطموحاتها مع محددات المجتمع الذي تعيش فيه، ففي ظل مجتمع ذكوري كمجتمعنا العربى الاسلامي يمكن التحدث عن أي حق إلا حق المرأة الذي هو تابو لا يجوز المساس به، مما حدا بكثيرات من النساء في ربوعنا الى ألا يرين أنفسهن إلا كما يراهن الرجل وفق منظوره الأناني القاصر في استلاب فاضح لذواتهن وكينونتهن على رغم كل التقدم والتطور من حولنا.

ومن هنا نقول ان المرأة في اجتماعاتنا تمارس ضدها والحال هذه كل أشكال الاضطهاد المنظم وبخاصة الاضطهاد الفكري المنتشر في شكل أوسع في المجتمعات المنغلقة في عالمنا العربي ذي الثقافة الشمولية والمتجسد في ممارسة العنف والقسر ضد النساء بمصادرة حقهن في التعبير وإبداء الرأي وبخاصة ضد المثقفات الناشطات منهن صاحبات الرأي المتعلمات في الخارج حتى لا يؤثرن في غيرهن من النساء الأخريات في المجتمع وحتى تبقى سيطرة الرجل على المرأة وحرمانها من كل الحقوق التي أقرتها الأديان والقوانين الوضعية وهذا الاضطهاد الفكري تكون له في الغالب انعكاسات نفسية سلبية عليهن قد يصبهن بالاكتئاب والإحباط النفسي ويفقدهن كنخب نسوية مستنيرة الطموح والحلم والمثابرة على طريق تحرير بنات جنسهن.

ولأننا نعيش في عالمنا العربي في ظل مجتمعات ذكورية مأزومة، التحكم فيها للرجل في كل شيء، وبخاصة في السياسة، فمن غير المتصور أن يسمح للنساء بتكوين حزب سياسي يطالب بحقوق المرأة، مما تمس الحاجة اليه حتى في الدول التى اعترفت بحقوقها في الترشح للمجالس النيابية كما حدث في العراق وغيره من البلدان العربية، فلو أنشئت مثل هذه الأحزاب النسائية ربما تحقق ما عجزت عنه منظمات المجتمع المدني بعامة سواء النسائية أو غيرها لأنها ستكون أحزاباً ذات طابع سياسي واجتماعي في الوقت نفس لها وسائلها الأمضى في الضغط للمطالبة بحقوق المرأة المسلوبة وتكون أكثر ارتباطاً بواقع قضية مساواة المرأة مع الرجل ورفع الغبن عنها وملامسة له.

من هنا تكمن ضرورة تفعيل دور الحركات النسائية المنافحة عن حقوق المرأة في الفترة المقبلة حيث نعيش مخاض ربيع شعوب منطقتنا بعد طول استبداد وبخاصة حقها في التعليم والعمل والاختيار والمشاركة في الحياة السياسية وتولي المناصب القيادية مساواة بالرجل وغيرها من الحقوق التي حرمت منها وحاول الرجال الاستئثار بها.

لا يكفي لتحقيق حرية المرأة توسع أفقي تحدثه بعض التشريعات في الدول التي تسمى متقدمة كحق انتخاب المرأة وترشحها لأن التغيير الذي يمكن أن يطلق حرية المرأة كاملة هو التغيير الذي يعيد تشكيل المجتمع عمودياً لينتج نمطاً من العلاقات التفاعلية السوية بين أفراد المجتمع بعامة وبين الرجل والمرأة بخاصة ينتفي في ظلها شعور الاغتراب بكل أنواعه في إطار مجتمع عادل وحر يحفظ كرامة كل منهما ويصون حريتهما: الشخصية والجنسية بعيداً من المساومة والضغط والقهر، ولا يمكن وبأي حال اعتبار قضية المرأة قضية نسائية بحتة، بل هي في المحصلة قضية تحررية تمس جوهر التطور الإنساني برمته نحو قيم إنسانية حضارية سامية.

* كاتبة وشاعرة عراقية وكاتب كردي

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى