صفحات المستقبل

أين المعارضة السورية من حسم المعادلة؟


أثّر إستلام البعث لمقاليد الحكم في سوريا سلبياً على أي نشاط أو حركة سياسية مناهضة لنهجه منذ ستينات القرن الماضي ليخلق بذلك حالة من الفراغ الفكري والثقافي في البلاد. كانت القّيود على الحريات تبرر صعوبة التحرك وإنشاء قاعدة خصبة لعمل المعارضة في الماضي. إقتصرت التيارات المعارضة على بعض الأحزاب والجماعات التي قوبلت بأقسى أنواع العنف والتنكيل والقتل لدرجة إرتكاب مجازر بحق البعض منها كما حصل لجماعة الإخوان المسلمين في حماة ثمانينات القرن الماضي أو الإعتقال والبطش والملاحقة مع الزّج في غياهب السجون أو التصفية أحياناً كما حصل مع أحزاب كردية ويسارية وشيوعية.

لكننا في ظل الثورة اليوم لا نستطيع أن نشفع ونبرر لأي حجّة وعذر آتٍ من المعارضة، وأقصد بها المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق والمجلس الوطني الكردي. نحن نرى واقعها المتشرذم والمتفتت وتعاملها الضعيف مع أحداث ومجريات الحراك الشعبي، رغم الدعم والمساندة والشرعية الذي تلقته من الشارع السوري وثورته. ومهما إزداد الحراك الثوري قوة فهو بحاجة ملحة إلى حراك سياسي. ولكن لم تتوحد المعارضة في خندق واحد كما توحد الشعب. كما لم تتفاهم على صيغة عمل واحدة ولم توضح رؤيتها بشأن الأقليات.

هذه الثورة حالة إستثنائية ونادرة في العالم ومختلفة عن باقي ثورات المنطقة لما يظهره السوريون من بطولة في وجه نظام إجرامي دموي. ولاقت تلك الثورة حالة من التعاضد الشعبي والحراكي وتنظيمٍ داخلي لم نشهد له مثيلاً. إلا أن المعارضة السورية تقف في وجه إنجاح هذه الثورة. ويعود السبب إلى عدم وضعها صيغة توافقية وبرنامج عمل واضح وإن يتطلب ذلك بعض التنازلات من الأشخاص والتيارات المختلفة التي تتكون منها المعارضة. يجب أن يكون ذلك ممكناً وبأقصى سرعة إكراماً لتلك الدماء المراقة. أنا متأكد من أن المعارضة سُيعترف بها عالمياً إذا اتفقت تياراتها وهذا سيضع النظام في مأزق كبير.

يكفي أنه ما يميز الثورة حتى الآن هو المساندة والتعاضد الشعبي للقوى الشبابية الفاعلة على الأرض التي تعمل في إطار مجموعات متناسقة. إستطاعت هذه القوة الشبابية خلال ثورتها إيصال صوتها للعالم أجمع في ظل تعتيم إعلامي خيّم على مجريات الأحداث بسبب منع النظام السوري من دخول أي جهات إعلامية مستقلة.

إن المتابعين والمراقبين لواقع ومعاناة الشعب السوري وتأخر تحقيق أهداف الثورة يدرك أن المعارضة السورية تحمل جزءً ليس بقليل من هذا التأخير. ربما يساهم التردد في توحيد صفوف المعارضة في إطالة عمر النظام وهو يكمل مسيرته الدموية محاولاً خطف الثورة وإيقافها! كلامي المدرج لم ولن يكن من باب التجريح أو المحاربة، ولكنه يضع إشارات عدّة على موقف المعارضة ويذكرّها بمسؤولياتها تجاه الشعب الذي منحها الشرعية منذ بداية الثورة. وهنا تزداد التساؤلات عن سبب التشتت والأسباب الآيلة للتفرقة ضمن صفوف المعارضة وتياراتها المتنوعة؟ وإن جاوبني أحدهم بأنها حالة ديمقراطية صحّية، سأرد عليه بأن ذلك صحيح ولكن ليس في هذه المرحلة التي تتطلب من المعارضة الإسراع في العمل السياسي معتمدة على مساندة الحراك الشعبي لها من “قامشلو إلى حوران”.

إن التهرّب العالمي الواضح من الثورة السورية وبعد مرور أحد عشر شهراً أثبت انعدام الضمير والخلق الإنساني لدى الكثير من دول العالم والتنصل من مسؤوليتها تجاه الشعب السوري الأعزل. هذا ما يجبرنا أن نقف أمام عدة نقاط أساسية كحل أوحد لوصول الثورة لمبتغاها:

توحيد وتكثيف جهود المعارضة في العمل ضمن إطار وطني يخدم الشعب ويجبر العالم على الإعتراف به. تشجيع الإنشقاقات الحاصلة في الجيش لتدافع عن الشعب بحيث توازي في وقتٍ ما الجيش النظامي. إضافة لإمتداد الحراك والتظاهرات في كل أرجاء سوريا. سيكون هذا هو الحل الأمثل لوصول الثورة الى أهدافها، لا سيما أن الشعب قرر أن يواجه القصف والتنكيل الذي يتلقاه بصدور عارية دونما تراجع عن مبادئه في إسترداد حريته المسلوبة.

مع اقترابنا من مرور عام على إندلاع الثورة وأمام القتل الدائم والقصف الدموي على شعبنا الأعزل وأمام الوضع الإنساني المزري في سورية، لم يعد أمام المعارضة أي مبرر لعدم التحرك الجدي. وعليها أن تترك كل خلافاتها ونظرياتها وأيديولوجياتها جانباً من أجل هذا الشعب وإنقاذه. يجب أن تعمل في الوقت الحالي على مطالب الشعب الذي يريد إسقاط النظام ونيل الحرية أو تعتزل وتقف جانباً إن لم تستطع حسم المعادلة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى