أيّ حملة تستهدف السوريّين في لبنان؟/ حازم صاغية
بالكذب وبالأرقام المزوّرة تتواصل الحملة على السوريّين في لبنان: يأكلون خبزنا. يستهلكون كهرباءنا. يسرقون مهننا. يهدّدون أمننا. يلوّثون بيئتنا. يعتدون على نسائنا… نسب التزايد سيف الحملة البتّار. ذاك أنّ العدد يخيف، وتحويله إلى صورة تتراقص أمامنا يخيف أكثر. وما يُنسب إليه من أفعال، كالزحف والتسلّل والتغلغل والانتشار والتوسّع، يدبّ الرعب في الأوصال.
البرابرة، إذاً، قادمون. وهم ولاّدون، خصوبتهم البيولوجية الرتيبة تمنع عنّا خصوبة الطبيعة المبدعة. عَرَقهم يحاصر عبيرنا.
فوق هذا، رجولتنا سوف توضع على المحكّ: قدرتها على ردّ التحدّي، بالإنجاب أو بالسلاح، تغدو موضع امتحان. لكنْ ماذا نفعل وهم يتناسلون كالفئران، فيما اللبوة لا تنجب إلاّ أسداً واحداً!
أين سمعنا هذه العبارة من قبل: يتناسلون كالفئران؟ في الأدبيّات الفاشيّة وأدبيّات البيض العنصريّين في الجنوبين الأميركيّ والأفريقيّ. هناك أيضاً، «يتعملق» الأصليّ و «يتجوهر» مقابل «الفأريّة» التي «تتقزّم» و «تُقزّم»، بتراكمها الكمّيّ المحض المنزّه عن النوعيّة، وبما تختزنه من عنف وفقر وأمراض مُعدية، ومن طفيليّة تمتصّ دمنا النقيّ.
وسائل الإعلام المكتوبة والمرئيّة ذات الباع في التحريض، تتحدّث عن أنّنا نتناقص وأنّهم يتزايدون. تمنح هذا «الخبر» صدارتها. المؤسّسات الإعلاميّة تنحو، في عالم الفضيلة هذا، إلى تحسين أحوالها المتدهورة باللعب على غرائز ما دون الصفر، باستجلاب الزبائن الذين يختلط عليهم الإعلام بالإثارة. إنّه إعلام يخاطب أصحاب المخيّلة الفأريّة.
نعم، من دون إنكار أو مكابرة، هناك مشكلة متعدّدة الأبعاد ترتّبت على اضطرار مئات آلاف السوريّين إلى النزوح عن بلدهم إلى بلدنا. والمشكلة كانت لتنشأ في أيّ وطن صغير يتعرّض لنزوح كبير، خصوصاً في ظلّ أزمة اقتصاديّة وشحٍّ في المعونات وفساد وتفاهة في التخطيط الرسميّ، وهذا فضلاً عن مواضٍ معقّدة تخصّ الأنظمة والبلدان والتجارب. لكنّ ما يقترحه العنصريّون يبقى أسوأ أنماط التعامل و «التفكير». هنا، يصبّ تضخيم الأرقام والولادات الزيت على نار المشكلة فيزيدها إشكالاً ويُضعف احتمالات تذليلها. ولأنّ العدد يُشعل الحرائق، صار لغةً حصريّة لأمراء الخوف والتخويف بشعبويّيهم وعنصريّيهم وفاشيّيهم على اختلافهم. إنّه لعبة لوبن وترامب الأثيرة. لقد سبق أن لعبناها مع فلسطينيّي لبنان: أخفناهم وأخفنا اللبنانيّين منهم فاندفعوا إلى التسلّح ثمّ تسلّحنا في وجه تسلّحهم وكان ما كان…
لكنْ ينبغي أن لا ننسى سببين هما إسهامنا الخاصّ في العنصريّة: أنّ العلاقات بين طوائف اللبنانيّين متردّية جدّاً فيما ألحان السعادة والحبّ قويّة جدّاً. هذا التكارُه المكبوت نزيّت آلته ببعض الدم المعلن والسهل، دم الآخرين. إنّنا محتاجون إلى التشارك في صيد الطرائد بين الفينة والأخرى. ونحن، اللبنانيّين، أخصّائيّون في هذا: بعد اتّفاق الطائف جلسنا على صدور الفلسطينيّين المحشورين في مخيّماتهم، المهينة لنا، وتبادلنا التهاني.
ثمّ إنّ البُعد العنصريّ في طائفيّتنا لم يكفّ في السنوات الأخيرة عن النموّ. فشلُنا في التعايش، بسببنا وبمعونة جوارنا العسكريّ، جعل الاختلاف أكثر مراتبيّةً وحوّل كلّ آخر عدوّاً.
إلاّ أنّ قسوة العنصريّة التي يبديها بعضنا أسوأ من العنف العاديّ: إنّها لا تملك الأسباب التي قد يملكها العنف لكي يعنف، ولا تتوقّف عند إنجاز أهداف ملموسة قد يتوقّف العنف عندها. والقاسي طبعاً أجبن من العنيف. ذاك أنّ العنصريّين بيننا الذين يصوّرون السوريّ فأراً، كان معظمهم فئراناً فعليّين أمام جيش الأسد حين كان في لبنان. ومعظمهم لا يقولون اليوم إنّ بشّار هو المسؤول الأوّل عمّا اضطرّ شعبه إلى الإقامة في أرضنا التي تتحوّل أرضاً بخيلة ولئيمة تحرسها الريح الصفراء. وأغلب هؤلاء لا يجرأون على إعلان مسؤوليّة «حزب الله»، الذي يمثّلنا في الحكومة، عن إحراق قرى وبلدات سوريّة، وتوسيع ظاهرة النزوح بالتالي.
وهذا من صفات الأخلاق الفقيرة التي لا تسيء إلى السوريّين بقدر ما تسيء إلى لبنان الذي لا معنى له من دون الحرّيّة والانفتاح – الانفتاح لا على الغنيّ وحده، بل على الفقير أيضاً، ولا على المصطاف والسائح فحسب، بل على النازح واللاجئ كذلك. فإذا شكّل الانغلاق مقتلاً، فأيّ مقتل يشكّله بذل كلّ هذا الجهد المجبول بالرياء والتزوير لتبرير الانغلاق، بل لتمجيده أيضاً!؟
الحياة