أيّ معارضة في سوريا ستسقط النظام؟
لا تنظيمات إسلامية أو يسارية مؤثرة. دعوات الافتراضيين إلى التحرك تبقى افتراضية حتى إشعار آخر. من سيسقط النظام في سوريا؟
دمشق | بعد هزيمة الإخوان المسلمين في سوريا عام 1982 جرت تصفيتهم تنظيمياً. غاب الوجود بفعل الاعتقال والنفي وانتقال النشاط المركزي إلى خارج سوريا، لكنّ نفوذ الجماعة ظل موجوداً. ومنذ نحو عشر سنوات تتخذ قيادة «الإخوان» من العاصمة البريطانية مركزاً لها. لم تفلح كل محاولات الحوار مع الحكم في دمشق الذي رفض عودتهم إلى سوريا إلا فرادى، مع تعهد بعدم القيام بأي عمل سياسي. وبالتالي، خلافاً لحالهم في دول عربية أخرى، لا يمكن الكلام في سوريا على جماعة إسلامية قائمة وقادرة على تنظيم التحركات الواسعة لإطاحة النظام، أو الاستفادة من الزخم الشبابي وتنظيمه من تحت الطاولة لإطاحة النظام.
في المقابل، هناك الكثير من التشكيلات الدينية المتشددة أو الجهادية أو التكفيرية، وهي كثيرة العدد، قليلة العناصر، الأمر الذي يسمح للنظام باللعب على تناقضاتها، مع الأخذ في الاعتبار أن النظام نفسه كان الراعي الأساسي لآلاف الجمعيات الدينية التي تُشغَل بالاهتمامات الدينية عن الاهتمامات السياسية. ويثق النظام بقدرته على ضبط هذه الجماعات وإبقائها تحت سيطرته. وبالتالي، ليس للإسلاميين قوة تنظيمية فاعلة تسمح لهم اليوم بتنظيم حركة اعتراضية جدية، وإن كانوا قادرين على المشاركة شعبياً وحشد آلاف المتأثرين بأفكارهم، مع الأخذ في الاعتبار أن تجربة الأسبوع الماضي أظهرت للمراجع الأمنية الرسمية السورية أن حزباً وهّابياً منتشراً في بعض المناطق كان الحزب الإسلامي شبه الوحيد الذي تحرك بدقة وتنظيم ضد النظام السوري، ولا سيما في ريف إدلب وريف درعا.
أما على جبهة اليساريين، فالحال ليست أفضل. الفنان يوسف عبدلكي عارض حكم البعث في سبعينيات القرن الماضي. اعتقل ثم عاش لأكثر من عقدين في فرنسا قبل أن يعود إلى دمشق. وهو يرى أن القوى اليسارية تعرضت لقمع استثنائي خلال العقود الأربعة الماضية، فقدت في نهايتها القدرة على الحراك السياسي، فلجأت إلى التمدد خارج بنيتها التنظيمية لتحافظ على الحد الأدنى من حضورها، ولا سيما عبر التجمعات المدنية والعلمانية، مع العلم بأن محاولة هذه القوى استنهاض نفسها أكثر من مرة عبر تجمعات جامعة، فشلت. من «التجمع الوطني الديموقراطي» (الذي يضم ستّ قوى أبرزها الاتحاد الاشتراكي العربي، حزب الشعب وحزب العمل الشيوعي) إلى «إعلان دمشق» (الذي ضم قبل تشتّته التيارات العلمانية + بعض الأطراف الكردية + الإخوان المسلمين)، مروراً بـ«تميم» الذي كان يفترض أن يمثّل تجمعاً لكل الحركات والتيارات الماركسية.
لكن بالرغم من هذا الواقع، لا يبدو عبدلكي متشائماً. برأيه، فإن الإسلاميين كما اليساريون حاضرون في سوريا، وسيلبّون النداء حين تحين ساعته. ويؤكد عبدلكي أن الناشطين على الفايسبوك لا يأتون من عالم افتراضي، بل من خبرات نضالية وانتماءات متنوعة، يسارية وإسلامية. وبرأيه، فإن المطلوب اليوم هو توحيد الأهداف والتنسيق أكثر، لمواكبة تحرر المواطنين من «جنرال الخوف»، كما أظهرت المسيرات في درعا وحمص واللاذقية وغيرها من المدن السورية.
ويشدد عبدلكي على ضرورة التدوين أن «لا شيء سيجدي النظام السوري نفعاً بعد الآن، لأنه تأخر كثيراً في تقديم التنازلات، ولأن المواطنين الذين قتل أبناؤهم وأولادهم في درعا واللاذقية يريدون اليوم محاسبة المسؤولين، ولا شيء آخر مما يقدمه لهم مستشارو الرئيس».
رفاق عبدلكي في النضال لا يوازونه جميعاً في التفاؤل. بعض هؤلاء يتابعون بحماسة ما يحصل اليوم. البعض يشارك في صناعة الحدث والبعض يكتفي بأن يراقبه من بعيد. تجلس إحداهن وسط ورشة تعصف بأحد فنادق الشام. تقول إن وقت بشار الأسد لم ينته إذا تصرف بذكاء ونفّذ ما يعد به منذ وصل إلى السلطة، مشيرة إلى أن الشعب السوري، خلافاً للشعب المصري والتونسي، يريد الحرية قبل الخبز.
ولا يبدو في الحديث مع السيدة الناشطة أبداً في الدفاع عن حقوق الإنسان أن لديها تصوراً واضحاً عن البديل. تردّد أن باستطاعة الأسد اليوم حقن الدماء، إذا قدم التنازلات الضرورية ونفّذ تعهداته السابقة والمقبلة، مع العلم بأنها تحاول وجيلها اللحاق بالجيل الجديد في الدخول إلى عالم الفايسبوك، طريقاً مختصراً يقود إلى الحرية. وبرأيها، فإن الفصل بين المثقفين وشباب الإنترنت لم يعد مبرراً، فالاثنان يتكاملان، مع أخذها في الاعتبار أن من مزايا الجيل الجديد، وهو ما سيكون له أثره على الحركة المطلبية في سوريا، أن لا عقدة «يسارية ـــــ إسلامية» نتيجة تقريب العالم الافتراضي بأهدافه المشتركة للمسافات، علماً بأن بعض المثقفين حاولوا بالتنسيق مع شباب المجموعات الافتراضية على الفايسبوك تنظيم اعتصام قبل أيام، قبالة وزارة العدل، لكنّ نحو عشرة فنانين حضروا في الوقت المحدد، فوجدوا العناصر الأمنية في انتظارهم بدل أصدقائهم المفترضين على الفايسبوك. وفي مختلف التحركات التي جرت الدعوة إليها عبر الفايسبوك، كان الحضور خجولاً جداً، يعدّ في الأغلب على أصابع اليد الواحدة، بينما التحركات الشعبية الكبيرة، ولا سيما في درعا، لم يكن لها أي علاقة بالإنترنت ولا بخدماته الثورية.
وهكذا، في ظل إقفال بعض المعارضين هواتفهم الخلوية، وتفضيل من خرج أخيراً من السجون السورية عدم التواصل مع الإعلام لعدم الرغبة في توتير «الأجواء الطائفية في البلد»، يصعب اكتشاف آفاق التحركات المعارضة للنظام، أو أقلّه تبيان من سيستفيد من زخم الشباب الافتراضيين (إن كانوا حقيقيين في الأصل) للانطلاق بالثورة.
من جهته، خرج المعارض مأمون الحمصي عن صمته، متوقّعاً أن يلغي الأسد «قوانين الطوارئ البغيضة، في محاولة لإخماد الاحتجاج، لكنه سيبدلها بقوانين أخرى أكثر قسوة، وهي قوانين مكافحة الإرهاب».
وقال الحمصي، الذي سجن لمدة خمس سنوات، من منفاه في كندا، إنّ «الأسد يتعرض لضغوط داخلية وخارجية، وهو أعدّ خطة تعطي للرأي العام الانطباع بأنه بدأ الإصلاحات». ولفت إلى أن قانون مكافحة الإرهاب «قد يشمل بنداً ضد أي مجموعة أو شخص يقوم بالأعمال التي قد تؤثر على الأمن الوطني. وهذا يكون تحت اسم الإرهاب».
وفي السياق، دعا أكثر من ثلاثين فناناً سورياً، من بينهم دريد لحام وعباس النوري ورشيد عساف وجمال سليمان وبسام كوسا وأيمن زيدان وسلافة معمار ويارا صبري، إلى «إعلان الحداد على الشهداء في درعا»، و«محاسبة من سبّب إراقة الدماء». وأشاد الفنانون في بيانهم بـ«الخطوات الإصلاحية التي أعلنتها أخيراً القيادة السياسية»، مؤكّدين «ضرورة الإسراع في تنفيذها وإتمام ما بدأ من إصلاحات، سواء منها المتعلقة بالإصلاح السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، كإيقاف العمل بقانون الطوارئ، ورفع مستوى معيشة المواطن، ومحاربة الفساد، وإطلاق سراح السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي، وإصدار قانون الأحزاب».
وأعلن الفنانون تأييدهم «لأي حراك سلمي يحقق كرامة المواطن السوري وحريته ورفع مستوى معيشته»، مع «معارضة، بشدة، لأي شكل من أشكال التحريض والتجييش اللذين من شأنهما أن يأخذا البلاد إلى حالة من الفوضى والخراب والدمار».