أي دلالات للاستعراض الكبير الداعم لمصر؟ تناقض صارخ مع المشهد السوري و”محوره”/ روزانا بومنصف
يدفع الاستعراض الكبير الداعم لمصر في مؤتمر” دعم وتنمية الاقتصاد – مصر المستقبل ” الذي افتتح في شرم الشيخ الى الواجهة تناقضاً هائلاً لا يمكن تجاهله او اشاحة النظر عنه بين مشهدين برزا معا هذا الاسبوع: مشهد الجهد الذي يبذل من اجل مساعدة مصر على النهوض فيما انتشرت قبل يومين مشاهد سوريا التي غابت في الظلام مع الذكرى الخامسة لانطلاق ثورتها الشعبية ضد النظام السوري التي صادفت هذا الأسبوع مع صور من الأقمار الاصطناعية تظهر مدى التراجع الحضاري في سوريا جنبا الى جنب مع أرقام هائلة من الضحايا السوريين، والمشهد الذي يطاول الاحتضان العربي لمصر من أجل مساعدتها عبر الاحاطة السياسية الواسعة والدعم المادي الكبير والمتعدد فيما تزايدت في الأسبوع نفسه لمؤتمر دعم مصر التصريحات الايرانية المتزايدة عن توسع النفوذ الايراني امتداداً الى اربع عواصم عربية وصولاً الى الكلام على انشاء مجموعات “دينية جديدة في سوريا فيما انشأ الحرس الثوري الايراني 42 لواء ونحو 140 كتيبة تقاتل في سوريا” وفقاً لمستشار القائد العام للحرس الثوري حسين الهمداني. واستتباعاً لذلك، فإن التناقض يبرز بين صورتين لا يمكن تجاهلهما في سياق التطورات الأخيرة في المنطقة احداهما للدول العربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية التي تعتبر المحرك الرئيسي لكل هذه الحركة الداعمة لمصر وفقاً لرئيسها عبد الفتاح السيسي الذي كان صريحاً في هذا الشأن موجهاً الانظار بقوة الى ما تمثله السعودية كمرجعية بالنسبة الى المنطقة والتي تعمل كقوة بناء واعمار وتنمية، وذلك في مقابل القوة الايرانية التي تبرز أقله في هذا السياق الذي يثيره مسؤلووها من المستشارين والقادة العسكريين قوة تدميرية دعماً للنظام السوري، علماً ان الدولتين المعنيتين اي ايران والسعودية تتنافسان بقوة على النفوذ في المنطقة.
تقارن مصادر سياسية بين الاحتضان العربي لمصر والاحتضان المماثل الذي حصل عليه لبنان زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري لجهة المساهمة الكبيرة في اعادة اعمار لبنان بعد الحرب كما في المساعدات السعودية الأخيرة للجيش اللبناني بحيث يظهر سخاء السعودية في ملفي المساعدة في إعادة الاعمار وفي مواجهة الارهاب. الا ان اسباب مساعدة مصر أبعد من مجرد التناقض في الصورة بين الدعم الايراني للنظام السوري والدعم السعودي او العربي لمصر ولو ان ذلك له مغزاه ايضاً من حيث الرسالة الضمنية التي يوجهها الى النظام السوري الذي ابتعد عن العرب لمصلحة الغرق كليا في احضان ايران. كما انه قد يرتب اثمانا باهظة بالنسبة اليه في ظل رهانه على ان مصر تحت قيادة السيسي تنهج نهجاً مختلفاً عن الدول الخليجية وعن المملكة السعودية في مقاربة الحل السوري مع مرونة يبديها الرئيس المصري لجهة احتمال بقاء بشار الأسد.
الحشد الدولي من أجل دعم مصر بالنسبة الى مصادر متابعة يساهم في تظهير نتائج الاتصالات واللقاءات التي عقدها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز اخيراً. اذ فيما يظهر ان لتركيا حساباتها في اتجاهات مختلفة من أجل الانخراط في حلف سني في المنطقة يساهم في تشكيل ثقل يقف في وجه الطموح الايراني، فإن مصر من حيث ما تمثله تشكل الركيزة التي لا غنى عنها من اجل ان تتمحور حولها الجهود. وتاليا فإن الأبعاد الحقيقية يمكن تلمسها وفقاً لهذه المصادر في اتجاهات عدة في مقدمها ان مصر تشكل الركيزة العربية لمحور لا يمكن ان يقوم من دونها في وجه التحديات في المنطقة وفي مقدمها تحدي النفوذ او التمدد الايراني كما تحدي تمدد التنظيمات الاصولية. ولذلك، فإن الجهود تبذل على جملة ملفات ومسائل خطيرة في مقدمها الجهود التي تتكثف من أجل معالجة الوضع في اليمن وتركيز دول مجلس التعاون الخليجي على ذلك، كما السعي الى تنظيم مؤتمر حوار من اجل تخفيف فوضوية الوضع في ليبيا في الوقت الذي تفيد المعطيات المتوافرة ان الرئيس المصري ذلل ايضاً التحديات السودانية في ما خص مصر ولعبت السعودية دوراً في ذلك ايضا. فالجهد الذي تركز على هاتين المسألتين في الاونة الاخيرة يتصل بالوضع الخطير الذي صارت عليه كل من ليبيا واليمن فيما تم التكفل بالسودان ايضا، الا ان المسألة تتركز على إراحة مصر من تداعيات ما يحصل في جوارها والذي يصل اليها عبر جملة تحديات امنية واقتصادية وسياسية ويتمظهر في حوادث أمنية وصعوبات متعددة. وفي ظل اضمحلال العراق كدولة متماسكة وغرق سوريا في الحرب الأهلية وحروب الاخرين على ارضها ايضاً وغياب اي ملمح في الافق الى انتهاء الازمتين العراقية والسورية، تكتسب مصر اهمية مضاعفة توظفها السلطات المصرية من اجل المساعدة في حماية الواقع المصري الحالي. فخيار الترف لجهة التلكؤ او التباطؤ ليس متاحاً خارج دعم مصر اقليميا او دوليا تقول هذه المصادر . لذلك لا يقل الدفع المعنوي والسياسي للرئيس المصري اهمية عن الدعم المادي والذي من شأنه مساعدته في الداخل بقوة وتدعيم سلطته. إذ إن الحضور العربي والدولي مهم لما ينطوي عليه من رسالة دعم للرئيس المصري على رغم التحفظات التي لا تزال تبديها الولايات المتحدة مثلاً فتمنع استئناف المساعدات العسكرية فيما تشهد ادارة الرئيس باراك اوباما ضغوطاً من اجل المحافظة على مصالحها الحيوية مع مصر واستعادة وتيرة التعاون سابقاً معها.
النهار