أي معرفة مطلوبة بسورية؟/ فراس سعد
تلحّ على السوريين معرفة سورية، أي الحفر في المسألة السورية اجتماعياً وسياسياً بطريقة تؤدي إلى منحنا مقاربة أصيلة لتاريخنا وتكويننا الاجتماعي والنفسي والثقافي، وتخبرنا عن الأسباب التي أدت بنا إلى الراهن.
ولا بد من القول أنه لأمر محبط أن نكون مقصرين إلى هذه الدرجة في معرفة سورية، فهل يعقل أننا خلال سنوات خمس وقبلها سنوات عشر تبدأ من ربيع دمشق 2001 لم نستطع رسم صورة مفصلة عن سورية، وعجزنا فيها عن رسم خريطة سورية المجتمع؟
وقلة المعرفة بسورية هي اليوم سمة عامة لكل المواقع السورية على الشبكة، حيث غابت الأبحاث الرصينة في تاريخ سورية الاجتماعي والثقافي، بحيث يجد المتابع طغياناً للهم السياسي الآني والمقالات الإخبارية والتحليلات السياسية… ولا تكاد تجد بحثاً سورياً واحداً خاصاً بتاريخ المجتمع السوري أو تاريخه الثقافي.
كل هذا في كف والأبحاث عن تاريخ الطوائف، وتحديداً الطائفتين العلوية والدرزية، بكف آخر، فهذه وحدها مصيبة من حيث النظر إلى السوريين على أنهم طوائف أو قطعان دينية متناقضة، ومن حيث اعتبار أن فهم تاريخ الطائفتين هاتين يعني فهم تاريخ المجتمع السوري، وهذه بالطبع خطيئة معرفية كبرى. فعلى الأقل لا يحقق بالضرورة فهم تاريخ طائفتين في الوقت ذاته فهماً مطابقاً لتاريخ علاقاتهما الاجتماعي مع الجوار، فتاريخ متّحد اجتماعي ما لا يفهم إلا في سياق علاقاته الداخلية والمجاورة، وبالتحديد علاقاته الاقتصادية والسياسية.
وعلى كل حال إذا رُد الشعب السوري إلى طوائفه، والبحث الاجتماعي في هذه الطوائف، كل على حدة غير مفيد في الحالة السورية الراهنة، فمعرفة السوريين لا تكون بتركيز المعرفة على أصولهم ما قبل الوطنية والوقوف عندها فقط كمحاولة لتأسيس المعرفة بسورية.
معرفة السوريين يجب أن تنطلق من معرفتهم كبشر وليس كطوائف، معرفتهم كطبقات وأحزاب، معرفتهم في مناطقهم وفي تعاملاتهم الزراعية والتجارية، معرفة تنقلاتهم وآرائهم السياسية والفكرية وخياراتهم الاجتماعية والحياتية. معرفة أفقية أولاً وبالتراكم تتحول إلى معرفة عمودية، وإلى معرفة راهنة، على خلاف معرفة الطوائف. معرفة الطائفة تؤسس لتحديث المعرفة الطائفية أو المعرفة من منطلق طائفي وليس من منطلق علمي، وهو أمر غير مفيد خصوصاً الآن، لأنه يعيد شحذ الشهوة الطائفية لدى كل السوريين، أي أنه يعيد شحذ التفرقة والتباعد بين السوريين.
لنذهب إلى معرفة سورية بكليتها، فهو أمر يفيد في تصور سورية الكلية وليس سورية المجزاة في مكوناتها أو كانتوناتها، والتصور العام الكلي ينفع في الدفع إلى العمل من أجل سورية كلها وليس إلى سورية المكونات الكانتونات.
فما الفائدة في معرفة عقيدة طائفة ما مختلفة عن الإسلام السني؟ أليس الضرر النفسي والوطني واقعاً بالضرورة، أليس الجهل بهذا الأمر خيراً من معرفته طالما أنه يعيدنا إلى تأسيس وجودنا على العقيدة الدينية أو المذهبية، الأمر الذي يجر إلى مزيد من الأحقاد والخلافات وفتح الباب للعودة إلى نزاعات الماضي بدلاً من العمل على فهم الحاضر والتطلع إلى وفاق السوريين وبناء دولتهم وهويتهم السورية.
* كاتب سوري
الحياة