إحياء التنوير الاسلامي: “الجيوش الغازية يمكن مقاومتها ولكن الأفكار الغازية لا يمكن مقاومتها”
يشدد الكاتبان دانيل شيروت وسكوت مونتوغمري على ضرورة إحياء القيم الإصلاحية التنويرية، التي طورتها نخبة من المفكرين المسلمين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وأشهرهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده بهدف مواجهة الأيدلوجيات الإسلامية المتشددة، فجبهة القتال الحقيقية هي حلبة صراع الأفكار.
كتب الروائي الفرنسي الكبير فيكتور هوجو في سنة 1877 “الجيوش الغازية يمكن مقاومتها ولكن الأفكار الغازية لا يمكن مقاومتها”. إن قوة الأفكار هذه الأيام سواء كانت للخير أو للشر يجب أن نأخذها بعين الاعتبار وخاصة عندما نفكر في الراديكالية الإسلامية. الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنسا والكويت وتونس تذكرنا بأهمية أن ندرك انه خلف هذه الاعتداءات هناك أفكار خطيرة وليس فقط مجرمين غاضبين ومحبطين.
الحركات الجهادية الإسلامية العنيفة لا تشكل خطرا وجوديا على أوروبا أو أمريكا الشمالية فقط، بل من الممكن أن تتمكن بين الحين والأخر من تنفيذ عمليات إرهابية دامية. لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع تدمير المجتمعات الغربية أو السيطرة عليها. كما أن المحاولات المذعورة للزحف على البلاد الإسلامية والقضاء على التهديد جاءت بنتائج عكسية حيث أدت فقط الى زيادة جاذبية التطرف الإسلامي.
إن معظم المسلمين يرفضون النماذج المتشددة للإسلام ولكن الكثير منهم – إن لم يكن الأغلبية- يتعاطفون مع فكرة الكفاح ضد املاءات الغرب وإعادة الدين الإسلامي إلى قوته وأمجاده السابقة. ان من الخطأ التأكيد على أن أقلية صغيرة من المسلمين فقط يدعمون أفعال المتطرفين أو أن الفصائل الأصولية اختطفت الدين الذين لا يمثلونه بالمرة، لانه في الواقع يتمتع الراديكاليون الاسلاميين بدعم كافي ليشكلوا تهديدا خطيرا في مناطقهم من العالم ومن الأهمية بمكان فهم كيف حصل ذلك.
تطوير أطروحات إصلاحية ضرورة سياسية راهنة؟
وفي الواقع التوجهات الإسلامية المحافظة ذات الطبيعة الراديكالية موجودة منذ وفاة النبي محمد سنة 632 ولكن تم معارضة تلك التوجهات مرارا وتكرارا من قبل مدارس فكرية إسلامية أكثر تسامحا واعتدالا ومثل الأناجيل المسيحية واليهودية فإن القرآن مفتوح للتفسيرات، التي يمكن أن تكون ليبرالية أو عقائدية وقمعية.
في آواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين اعتقد الكثير من المفكرين المسلمين- وأشهرهم جمال الدين الأفغاني- أن تبني العديد من المثل العليا، التي تم تطويرها في الغرب خلال فترة التنوير هو الطريقة الوحيدة لتشجيع التقدم. لقد كتب الأفغاني وغيره أن رفض الإسلام للعلوم الغربية والتقدم هو تفسير خاطئ للقرآن الكريم.
لكن مع مرور الوقت خلال القرن العشرين خسر المصلحون الإسلاميون مواقعهم لصالح القوميين العلمانيين، الذين أكدوا على أن العلمانية هي الطريق الوحيد للحداثة. لكن وعد العلمانية اثبت أنه وعد أجوف حيث أن دول مثل مصر وليبيا والعراق وسوريا تغرق الآن في الاستبداد والفساد وهذا يوفر أرضية خصبة لنماذج إسلامية رجعية وعنيفة ومعادية للغرب.
في آواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين اعتقد الكثير من المفكرين المسلمين- وأشهرهم جمال الدين الأفغاني- أن تبني العديد من المثل العليا، التي تم تطويرها في الغرب خلال فترة التنوير هو الطريقة الوحيدة لتشجيع التقدم. لقد كتب الأفغاني وغيره أن رفض الإسلام للعلوم الغربية والتقدم هو تفسير خاطئ للقرآن الكريم.
تطوير أطروحات إصلاحية ضرورة معرفية بحتة: في آواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين اعتقد الكثير من المفكرين المسلمين- وأشهرهم جمال الدين الأفغاني- أن تبني العديد من المثل العليا، التي تم تطويرها في الغرب خلال فترة التنوير هو الطريقة الوحيدة لتشجيع التقدم وتجنب تخلف المسلمين عن ركب الحضارة العالمية.
السعودية معقل المحافظين
إن هذه التوترات مستمدة من العديد من الجذور الفكرية ولكن كتابات المفكر المصري سيد قطب تعد من أهم أدبيتها. لقد جادل قطب مع غيره من الأصوليين أمثال الفيلسوف الباكستاني أبو الأعلى المودودي أن الإسلام الحقيقي قد تم اختراقه وإفساده من قبل الأفكار الخارجية وفقط عندما يتم استعادته سوف ينتهي قرنين من الإذلال على أيدي القوى الامبريالية الغربية ومؤخرا دولة إسرائيل الوليدة . كما شدد على أن الله سوف يناصر مرة أخرى المسلمين ضد أعدائهم والذين وصفهم قطب “بالصليبيين واليهود”.
لقد حاولت الديكتاتوريات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط قمع المحافظين الاسلاميين ولكن السعودية –معقل المحافظين- استخدمت ثروتها النفطية من اجل مواجهة المحدثين العلمانيين وأي نوع من الإصلاح في الإسلام بالإضافة الى تمويل المبشرين الأصوليين والمساجد المحافظة في طول العالم الإسلامي وعرضه. لقد تم إعدام قطب من قبل الدكتاتور المصري جمال عبد الناصر سنة 1966 وذلك كجزء من محاولة وحشية وغير ناجحة للقضاء على الإخوان المسلمين.
وفي واقع الأمر فإن هذه الحملات أدت فقط الى تقوية الإسلاميين المتشددين والذين ساعدهم ايمانهم على النجاة من القمع وعملوا على اقناع الشباب المسلم الساخط بإن التطرف هو الحل الممكن الوحيد لضعف مجتمعاتهم وانعدام الفرص.
جبهة القتال الحقيقية هي حلبة صراع الأفكار
من المؤكد أن مواجهة الأفكار بالوسائل القمعية سوف تؤدي إلى الهزيمة فعندما ترسل القوى الغربية جنود الى الدول الإسلامية وتحاول إخضاع المتطرفين بالقصف أو تدعم الدكتاتوريات الوحشية أو تقدم الدعم الأعمى للسياسات الإسرائيلية فإن تلك القوى تؤكد على ادعاءات الراديكاليين الاسلاميين مما يعني إلقاء المزيد من المناصرين الى أحضانهم.
جبهة القتال الحقيقية هي حلبة صراع الأفكار. وعوضا عن الردود المسلحة والمذعورة المبالغ بها فإن ما نحتاج اليه هو التبادل الثقافي . كما يجب تقديم الدعم للعديد من المفكرين الجديين في المجتمعات الإسلامية والذين يرغبون في إحياء دعوة الإصلاح لاعتناق بعض أفكار التنوير الغربي المتمثلة بقيم العلم وأهمية التسامح الليبرالي والحاجة الى المناقشات الحرة والمفتوحة. يتوجب على المفكرين الغربيين والذين يفهمون الإسلام ويتحدثون بعضا من اللغات الكثيرة لمعتنقيه أن يدعموا هذه التحركات الفكرية.
ومع أن الصقور في الغرب يمكن أن يرفضوا تلك الأساليب ويصفونها بالضعيفة ولكن بينما يمكن أن يكون تاثيرها محدود على المدى القصير، فإن من المؤكد ان دورها سوف يكون حيويا على المدى الطويل.
إن القوة التي هزمت الشيوعية في أوروبا- وهي أيديولوجية اخطر بكثير من الإسلام الراديكالي- لم تكن قائمة فقط على الاحتواء العسكري، بل أيضا على قوة الأفكار والمثل العليا.
دانيل شيروت وسكوت مونتوغمري
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2015
http://www.project-syndicate.org