“إخوان” سوريا: تاريخ من احتكار الثورة وإفشالها/ أيمـن شـرّوف
. الاجتماعات التي عُقدت في مدينة استنبول التركية أظهرت الكثير من الخلل في الجسم السوري المعارض، وهي ليست المرّة الأولى التي تظهر مثل هذه الاختلافات الجذرية بين أركان المُعارضة، والتي كان للإخوان المسلمين الدور الأبرز فيها، ولا سيما في ما يخص الحكومة المؤقتة والأركان.
مضى أربعة أشهر على إقالة حكومة أحمد طعمة من قبل الائتلاف، وإلى الآن لم ينجح الإئتلاف في انتخاب بديل عنها. الأسبوع ما قبل الماضي كانت محاولة، لكنها باءت بالفشل وهددت وحدة الإئتلاف ككل، قبل أن يُبطل رئيسه هادي البحرة كل القرارات ويدعو إلى اجتماع هيئة عامة الأسبوع المقبل في 3 كانون الأول. لكن، ما الذي حصل في الاجتماع الماضي؟ ولماذا كل هذا التخبّط وعدم القدرة على انتخاب بديل؟
أصبح من المعلوم أن طعمة يُمثّل خيار “الإخوان المسلمين”، وهم لا يريدون غيره في رئاسة الحكومة، علماً أن إقالته أتت بعد استجواب قام به الائتلاف لأعضاء الحكومة المقالة ولطعمة بيّن حجم الفساد في بعض الوزارات وعجز رئيس الحكومة المؤقتة عن تحقيق الحد الأدنى مما هو مطلوب من هذه الحكومة. إلا أن “الإخوان”، مرّة جديدة عادوا ورشحوا طعمة، فيما كان باقي أعضاء الائتلاف وكتله يبحثون عن توافق يُساهم في حسن سير عمل مؤسسات المعارضة، ويكون الجميع مشاركاً في هذه العملية.
كاد الإجتماع الأخير للإئتلاف أن يُنهي على مؤسسة المعارضة الحائزة على اعتراف دولي لا بأس به. يقول أحد الأعضاء البارزين في الإئتلاف إن “الإخوان عمدوا إلى تأمين النصاب بالمواربة، وصوّتوا لحكومة انتقوها هم، يسيطر عليها الإسلاميون من دون مراعاة لتعدد وتنوع المعارضة التي تُعبّر عن التعدد داخل النسيج السوري، وإعادة طعمة إلى منصبه بعد فشله الكبير في تلبية طموحات السوريين”، وفي المعلومات أن من بين الأعضاء في الحكومة التي كان يعزم الإخوان على الإتيان بها، وزير عدل لا يؤمن بالقانون المدني، بل يعتبر أن تطبيق الشريعة هو الأساس والأصح.
ومن ضمن ما سعى إليه الإخوان في ذلك الإجتماع، وضع اليد أيضاً على الأركان، أي التحكم بكل ما هو عسكري عبر انتقاء من هم تابعون لهم سياسياً، وهذا ما أثار امتعاض كُتل كثيرة داخل الائتلاف، كذلك فعلوا في ما خص وحدة تنسيق الدعم. وهنا، يقول عضو الائتلاف ورئيس الامانة العامة لإعلان دمشق سمير نشار، إن “الاخوان المسلمين أصرّوا على ان يكونوا لاعباً رئيساً في عملية الاستقطاب سواء من زاوية الاستقطاب الداخلي او على الصعيد الإقليمي، وعلى محاولة فرض هيمنتهم على قيادة الائتلاف وعلى الحكومة المؤقتة وعلى المجلس العسكري، وهذا الأسلوب في التعامل مع الآخرين من الأطراف السورية بدأ يُشكل عامل نفور وردود فعل سلبية لدى أغلبية القوى المشاركة في الائتلاف”.
كل هذه القرارات التي أراد الإخوان تهريبها وكادت أن تطيح بالإئتلاف، أنهاها البحرة بقراره إبطالها ودعوته لإجتماع جديد، إلا أن هذا التوجه “الإحتكاري” لدى الإخوان لم يبدأ في الإجتماع الأخير، بل هو استمرار لنهج بدأ منذ بداية الثورة السورية، وحتى ما قبلها، إذ يقول أحد المعارضين البارزين إن “التجربة الأولى مع الإخوان كانت منذ عام 2004 حين رفض إعلان دمشق استمرار ملاحقة الإخوان، وما ارتُكب بحقهم وتعرض الكثير من أعضاء الإعلان إلى الملاحقة والسجن، فيما الإخوان، سارعوا إلى ترك الإعلان وحيداً وانضموا إلى عبد الحليم خدام (جبهة الخلاص) بعد العام 2005 بعدما انشق عن النظام الذي كان أحد أهم أذرعه آنذاك. ثم في العام 2008، إبان حرب غزة، علّقوا معارضتهم للنظام السوري بوساطة قطرية وتدخل من الشيخ يوسف القرضاوي”.
منذ العام 2011، أي منذ بداية الثورة السورية، دخل الأخوان إليها بوصفهم التنظيم المُضطهد من قبل النظام، وحصلت بحقه المجازر المروعة في حماة وحلب وجسر الشغور. وهم، استطاعوا أن يبرزوا على حساب باقي التنظيمات والمعارضين الأفراد لسبب بسيط، إذ إنهم الفصيل الوحيد المُنظّم والذي له ارتباطاته الإقليمية وامتداداته في غير مكان خارج سوريا، واستطاعوا توظيف هذا الأمر كي يتصدروا مشهد المعارضة، لحظة تحولها إلى تنظيم سياسي في الخارج، بدعم من بعض الدول الإقليمية، ولا يُمكن نفي شعبيتهم داخل النسيج السوري مع بداية الثورة بوصفهم التنظيم السنّي الذي يحاكي طموحات شريحة لا بأس بها من المجتمع السوري، الريفي تحديداً، لكن الوقائع المتلاحقة وتصرف الإخوان في قيادة المعارضة، جعل شعبيتهم تتراجع كثيراً في الداخل السوري، وتشير الكثير من الإحصاءات إلى أنهم الآن لا يُمثلون إلا شريحة صغيرة من السوريين، وغالبيّتها من الذي عمل التنظيم على دعمهم والاهتمام بهم بطرق عدة.
يقول نشار: أصرّ الإخوان المسلمون على تصدر المشهد السياسي للمعارضة السورية والوهم الذي يتملكهم من انهم الفصيل السياسي المعارض الأكبر والاكثر تأثيراً في الثورة السورية، اضافة الى بعض الدول الداعمة التي ساهمت في تغذية هذا الوهم، ما أدى الى حد كبير في تراجع دور المعارضة السورية المتمثّلة في ائتلاف قوى الثورة والمعارضة بسبب الصراعات والاصطفافات والتأثيرات السلبية التي نجمت عن هذه الممارسات والتي رافقت مؤسسات المعارضة سواء في المجلس الوطني او في الائتلاف”، ويضيف: خلال اللقاء الأخير للائتلاف، رُفض مبدأ التوافق أساساً للعمل المشترك بين مختلف الأطراف، وبدلا من ذلك تم ممارسة سياسة فرض الأمر الواقع على المختلفين من الأطراف الاخرى في الائتلاف”.
نهج الإستئثار الذي تحدث عنه نشار وأكثر من عضو في الإئتلاف وخارجه، يمتد إلى أيّام المجلس الوطني السوري، الذي كان التشكيل الأول المُمثل للشعب السوري، إذ حاول الإخوان يومها السيطرة عليه، واستطاعوا أن يهيمنوا على كل المكاتب الإغاثية، وهذا ما يؤكده أعضاء المجلس الوطني، الذين يستفيضون في الحديث عن كيفية استغلال أموال الإغاثة بطريقة غير عادلة، ومن أجل كسب تأييد مناطق معيّنة في سوريا، وفئات محددة كانت تعنيهم، وهو ما أعطى صورة سيئة عن المجلس ككل، وساهم في تفككه.
وما حصل في المجلس، عاد ليتكرر مع الإئتلاف، إذ عمد الإخوان في فترة توليهم الحكومة المؤقتة عبر طعمة إلى توظيف كُثر من المحسوبين عليهم وخلق مناصب وهمية من أجل توسيع “التنفيعات” لمن يواليهم. هذا الواقع، يقول نشار إنه “انعكس سلباً على اداء مؤسسات المعارضة التي خسرت ثقة جمهور الثورة وأيضا تراجع الدعم الإقليمي والدولي، وأصبح من المعروف ان هناك معارك دائمة بين أطراف وقوى الائتلاف عند كل استحقاق انتخابي وينتج عن كل معركة تموضع جديد وبداية لمعركة جديدة قادمة، ولم يفكر الاخوان انه بدون التوافق مع الآخرين لا يمكن ان ترى المعارضة نجاحا يحقق أهداف الثورة”.
اليوم، الإخوان المسلمون هم الفصيل السياسي الأكبر خارج سوريا، ولكن داخل سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي لم يعد لهم أي حضور سياسي. يقول رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق: صحيح ان جميع القوى السياسية داخل سورية كانت مضطهدة ومقموعة وذات تأثير محدود جدا في المشهد السياسي الداخلي، لكن من الانصاف ايضا القول ان القوى الديموقراطية والمدنية واليسارية والنخب الثقافية ساهمت الى حد كبير في تشكل ربيع دمشق، وفي صياغة إعلان بيروت ـ دمشق، وفي إطلاق إعلان دمشق، ما ادى الى بعث الروح السياسية في المجتمع السوري وهم كانوا من أوائل المؤيدين والداعمين للثورة، كما دافعوا عن حق الإخوان في أن يكونوا جزءاً من المشهد السياسي في سوريا الديموقراطية، ودفعوا ثمنا في سبيل ذلك (أي اعتقالات بسبب مواقفهم) لذلك ظهر الإخوان المسلمون بمظهر الناكر للجميل تجاه القوى التي دافعت عنهم”.
هذه الممارسات الممتدة منذ ما قبل الثورة السورية إلى اليوم، ساهمت في نفور العديد من الأحزاب والكتل والشخصيات المعارضة من الإخوان المسلمين، وهذا لم يدفع التنظيم إلى مراجعة في سياسته، بل هو يُصرّ على الاستمرار في الإستئثار، وتقول المعلومات إن “الإخوان خلال الاجتماع الأخير قالوا إن تركيا تُصرّ على طعمة كرئيس للحكومة، وهذا ما فعلوه في اجتماع تموز الماضي حين أُقيل طعمة، ليتبين حينها أن الأتراك وقفوا على حياد، وفي الاجتماع الماضي كان الأتراك على حياد، لا بل رفضوا عودة طعمة والتحدي الذي مارسه الإخوان بحق غالبية الأطراف المعارضة الأخرى”.
وبالمقارنة مع التجربتين الإخوانيتين في كل من تونس ومصر، لا يبدو أن الإخوان في سوريا استطاعوا أن يخرجوا بعبر، أو يستخلصوا ما يُساعدهم على النجاح في تجربتهم قبل سقوط نظام الأسد وبعده، فهم إلى الآن وقبل أن يحكموا فعليا في سوريا، إن فعلوا، يعيدون تجربة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي في الهيمنة والإقصاء حتى قبل وصولهم إلى سدة الحكم، وفقط من خلال مناصب في أجسام معارضة.
هنا، يقول نشار إنه كان يتمنّى على الاخوان المسلمين ان “يستفيدوا من الدرس القاسي الذي تعرضوا له من خلال التجربة التي مر بها أقرانهم في مصر، والتي أدت الى ما أدت إليه من نتائج سلبية، ليس فقط عليهم وإنما على العمل الوطني عموماً في مصر وعلى التجربة الديموقراطية فيها”. ليس هذا فقط، يذهب نشار أبعد من ذلك، برأيه “ابتعد الاخوان المسلمون في سوريا عن المنارة الديمقراطية التي ساهمت في تشكيلها حركة النهضة في الثورة التونسية التي أصبحت محط أنظار الجميع، وما تعيشه تونس اليوم من حالة ديمقراطية فريدة في المنطقة العربية وخاصة في دول الربيع العربي، ويكفي المواطن العربي والمراقب الأجنبي ان ينظر الى التجربتين التونسية والمصرية، ليرى النتائج والتداعيات التي طبعت المنطقة ودول ثورات الربيع العربي من خلال نجاح الاولى وفشل الثانية، وكل ذلك بسبب السياسات الانانية والانتهازية السياسية التي مارستها جماعة الاخوان المسلمين”.
دائماً ما يصبغ الإخوان أي تحرك يقومون به، بدعم خارجي، وتحديداً تركي وقطري، وهو ما لا يكون صحيحاً في بعض الأحيان، خاصة لجهة تركيا، وهو ما ظهر في الاجتماع الأخير للإئتلاف واجتماع تموز الماضي، إلا أنه لا شك أن تعويلهم على هذا الدعم الخارجي لم يأت من عدم، ومتابعة الاتفاق الخليجي ـ القطري، يشغل بال الإخوان المسلمين في سوريا، وهم الذين راهنوا على هذه الاختلافات العربية في السابق لتحصين موقعهم والاستفادة من دعم غير محدود حصلوا عليه.
وإن كان الإخوان في سوريا قد حصلوا على دعم كبير من دولة قطر، إلا أنهم لم يسقطوا يوماً من حساباتهم الرهان على التقرب من المملكة العربية السعودية أيضا حفاظاً على مصالحهم في المملكة، ومحاولة خطب ودها باستمرار لأنها كانت ملجأ لهم في الأزمات، إذ بحسب نشار، حاول الإخوان التقرب من السعودية من خلال التحالف في المرحلة السابقة مع الكتلة الديموقراطية التي كان أحمد الجربا رئيس الائتلاف السابق ينتمي إليها، والسبب الرئيسي في الأزمة الحالية هو إنهاء هذا التحالف بينهما، خاصة بعد تصنيف المملكة جماعة الاخوان المسلمين كجماعة ارهابية، وعدم دعم المملكة لحكومة طعمة الخاضعة لنفوذ وهيمنة الاخوان المسلمين، وهذا سبب سياسي رئيسي وراء إقالتها وسبب الصراع الحالي في محاولة إعادتها، على العكس من الموقف القطري الذي هو الداعم شبه الوحيد لحكومة الطعمة”.
منذ عام 2011، عرف الإخوان كيف يُنظمون أنفسهم أكثر من غيرهم بمسافات. هذا التنظيم، جعلهم يتغلغلون في كل الأجسام المعارضة ويسيطرون عليها. من مؤتمر أنطاليا في تركيا عام 2011 إلى مؤتمر بروكسل بعده بوقت قليل، بدأ التنظيم رحلة سيطرته على مفاصل السياسة المعارضة. في نهاية أيلول من العام 2011 أطبق الإخوان سيطرتهم على المجلس الوطني منذ لحظة تشكيله عبر تغلغلهم بمجموعات مختلفة بين المعارضين الذي اجتمعوا آنذاك في فندقين منفصلين في تركيا قبل الوصول إلى تشكيل المجلس، ودخول الإخوان إليه عبر هذه المجموعات بأكثرية واضحة، ليتفرغوا بعدها توازياً مع الهيمنة على العمل الإغاثي إلى العمل العسكري، فأطاحوا بحركة الضباط الأحرار ذات التوجه العلماني بعد فوزهم بولاء رياض الأسعد الذي كان قد شكّل الجيش السوري الحر.
لاحقاً، وفي منتصف العام 2012، عقدت الجامعة العربية مؤتمراً في تركيا لبحث مسودة الحكم الانتقالي للمعارضة وإعادة هيكلة المجلس الوطني. بعدها عُقد اجتماع في القاهرة وضع أسس المسودة وفيها مادة عن تجريم استعمال المال لتثبيت النفوذ السياسي. وقّع الإخوان على مضض على هذه المسودة، ليستطيعوا لاحقاً بعد تعطيل المجلس الوطني، أن يُسقطوها من البيان التأسيسي للإئتلاف السوري الذي تشكل في العاصمة القطرية الدوحة في تشرين الثاني 2012.
رحلة الإخوان مع المعارضة في سوريا، تُظهر كيفية تحولهم من فصيل معارض لهيمنة الأسد، إلى فصيل معارض يُطبّق الكثير مما يقوم به الأسد، من الإستئثار إلى الفرض والتضييق والإحتكار. استفادت الجماعة من العوامل الإقليمية كي تنقضّ على الثورة. بعد حوالى أربع سنوات، تتراجع قوى المعارضة كثيراً، وللإخوان دورهم الأساسي في هذا التراجع من دون إغفال أجندات معارضين آخرين ساهموا في هذا الإحباط والفشل. لكن، يبقى للإخوان دورهم الكبير. وهم أمام امتحان تكرار التجربة المصرية مع فارق أن نظام الأسد لم يسقط بعد، والتجربة التونسية التي هم إلى الآن بعيدون عنها كل البعد. المقبل من الأيام سيوضح توجههم خاصة مع إمكانية فقدان قدرتهم على اللعب على التناقضات الإقليمية بعد الاتفاق الخليجي. مع أن التجربة الماضية، لا تُشجع على أي أمل بتغيير قد يحصل في سلوكهم.
موقع لبنان ناو