«إخوان» سوريا غير «إخوانهم».. وعليهم تبديد مخاوف الأقليات الدينية!!
صالح القلاب
لإخافة الشعب السوري والغرب والشرق ودول المنطقة الشرق أوسطية وشعوبها، بادر نظام بشار الأسد، ومعه عدد من المطبلين والمزمرين، منذ اليوم الأول لانطلاقة هذه الثورة الشعبية التي دخلت عامها الثاني، إلى التهويل والحديث عن أن «الإخوان المسلمين» قادمون، وأن البديل هو «الاستبداد الديني»، وأن الأقليات الطائفية في سوريا سيكون مصيرها مصير مسيحيي العراق، وأن «القاعدة» هي المسؤولة عن كل التفجيرات الدموية التي شهدتها دمشق سابقا ولاحقا، وأن الجيش النظامي لا يتصدى للمنشقين عنه، وإنما لـ«عصابات مسلحة» تنفذ أجندة الولايات المتحدة و«العدو الصهيوني»!!
واللافت أن عمليات التخويف هذه لم تقتصر على النظام السوري وحده، وإنما شاركت فيها إسرائيل التي لم تتخل عن رهانها على هذا النظام بعد، وبعض الأوساط الغربية، وأن هذه القصة تشكل امتدادا لقصة قديمة كان الإسرائيليون قد اخترعوها بعد إقامة دولتهم مباشرة، ويومها كان «البعبع» المصطنع الذي يتهدد الغرب ويتهدد المصالح الغربية في هذه المنطقة هو الزحف الشيوعي والقوى القومية واليسارية التابعة للاتحاد السوفياتي، وكانت الدولة الإسرائيلية التي أقيمت حديثا تعتبر نفسها الخندق الأمامي والمخفر المتقدم لحماية هذا الغرب وهذه المصالح الغربية، وكل هذا في وقت كانت موسكو من أول الدول التي اعترفت بهذه الدولة.
لقد بقيت إسرائيل تستخدم هذه «الفزاعة» لإخافة الغرب وإقناعه بأن مصالحه مهددة بالخطر الشيوعي الزاحف من الشرق وبتحالف أنظمة الانقلابات العسكرية، اليسارية والقومية، مع المنظومة الاشتراكية، ولقد بقيت تحصل على دعم عسكري واقتصادي وسياسي على اعتبار أنها القوة المتقدمة للدفاع عن المصالح الغربية الحيوية في هذه المنطقة إلى أن جاءت هزيمة يونيو (حزيران) 1967 لتثبت صحة الادعاءات الإسرائيلية على اعتبار أن تلك الهزيمة كانت هزيمة للأسلحة السوفياتية وأسلحة الدول الشرقية الشيوعية.
بعد ذلك، جاء الدور على الثورة الفلسطينية التي حاول الإسرائيليون والدول الغربية التي كانت في معظمها متعاطفة معهم ومؤيدة لهم، إلصاق تهمة الإرهاب بها، وحقيقة أن تلك المحاولات قد حققت نجاحات لا يمكن إنكارها، وخاصة بعد تورط بعض فصائل هذه الثورة في خطف الطائرات واستهداف سفارات الولايات المتحدة وسفارات بعض الدول الأوروبية، لكن هذا إن مر على بعض الدول الغربية أو كلها، فإنه لم يمر على شعوب هذه الدول التي نظرت ومنذ البدايات إلى ثورة الفلسطينيين على أنها حركة تحرير وطني وليست تجمعا لتنظيمات وعصابات إرهابية.
وهكذا، وبدءا بنهايات سبعينات القرن الماضي، حيث انتصرت ثورة الخميني كما هو معروف في عام 1979، وحيث ظهرت حماس كتنظيم فلسطيني إسلامي في عام 1987، وحيث انهار لاحقا الاتحاد السوفياتي وانهارت معه المنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية كلها وانتهى صراع المعسكرات، انتقلت إسرائيل للنفخ فيما اعتبر ظاهرة الـ«إسلاموفوبيا» والتخويف من الحركات والتنظيمات الإسلامية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، مع أن هذه الجماعة بقيت حتى وقت قريب محسوبة على الغرب، بريطانيا والولايات المتحدة تحديدا، وكانت تعتبر منحازة للمعسكر الغربي المضاد للمعسكر الشرقي في سنوات الحرب الباردة وصراع المعسكرات.
ولكن، ورغم ذلك النفخ في قربة الـ«إسلاموفوبيا» وإنتاج أفلام عن هجرات مرعبة لمسلمين من أفريقيا والشرق الأوسط في اتجاه شواطئ البحر الأبيض المتوسط الغربية، فإن الأمور بقيت في إطار المعقول إلى أن وقعت كارثة سبتمبر (أيلول) عام 2001، وتلتها عمليات حماس الانتحارية ضد أهداف مدنية إسرائيلية، وبرزت «القاعدة» في عالم العنف والإرهاب، كل ذلك البروز الذي بلغ ذروته في السنوات اللاحقة، انعكس على صورة هذا الدين الحنيف في الولايات المتحدة وفي الغرب كله، وأيضا في العالم بأسره، وأصبحت التهمة موجهة للإسلام الذي ليس له أي علاقة في حقيقة الأمر لا بمن ارتكبوا جريمة برجي نيويورك وجريمة استهداف مبنى البنتاغون، ولا بحركة طالبان، ولا حتى بعمليات حركة المقاومة الإسلامية الانتحارية.
ولهذا، بمجرد اقتطاف «الإخوان المسلمين» لثمار ما سمي ثورات الربيع العربي، عاد النفخ مجددا في قربة الـ«إسلاموفوبيا»، وبدأ المتضررون من عواصف هذا الـ«تسونامي»، الذي أطاح برؤساء أربعة أنظمة عربية، والخامس ها هو على الطريق، يحذرون من حقبة سوداء قادمة سيسود خلالها الاستبداد الديني على غرار ما حدث في أوروبا المسيحية في القرون الوسطى وفي فترة ما بعد الثورة الفرنسية، وهذا ما يفعله النظام السوري الآن من خلال تخويف الأقلية المسيحية والأقليات المذهبية الأخرى كالدروز الموحدين والعلويين والإسماعيليين والشيعة من أن «الإخوان» قادمون، وأن مصير هذه الأقليات، إن أسقط هؤلاء النظام القائم وفازوا بالحكم، هو التهجير من وطنهم التاريخي، على غرار ما حصل بالنسبة لمسيحيي العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين وغزو القوات الأميركية.
وهنا فإن الخطأ الذي وقع فيه «الإخوان المسلمون» ووقع فيه الشيخ يوسف القرضاوي – إن عن قصد أو عن غير قصد – هو أنهم أفرطوا في نشوة «انتصاراتهم»، وأنهم أشعروا الاتجاهات الليبرالية والديمقراطية والعلمانية وأيضا الأقليات الدينية بأن حكم اللون الواحد قادم، وأن عليهم أن يتلمسوا رؤوسهم، وكل هذا رغم بروز توجهات إخوانية عقلانية في مصر مثل مرشح رئاسة الجمهورية عبد المنعم أبو الفتوح، ومثل آخرين من زملائه الذين اختيروا لعضوية مجلس الشعب ومجلس الشورى، والذين طالبوا بالفعل بالفصل فصلا نهائيا بين حزب العدالة والحرية وبين هذه الجماعة وأظهروا ما يطمْئن المسيحيين والاتجاهات آنفة الذكر والإشارة في هذا الصدد إلى تجربة إسلاميي المغرب الواعدة والمقبولة وتجربة تونس، حيث إن حزب النهضة بزعامة راشد الغنوشي لا يزال عالقا في عنق الزجاجة وحائرا بين الانسجام مع توجهات غالبية الشعب التونسي وبين الانحياز للأكثر تشددا من قادة هذا الحزب وكوادره.
وحقيقة، إن أكثر المستفيدين من ظهور «الإخوان المسلمين» في واجهة ثورات الربيع العربي أكثر من اللزوم وأكبر من حجمهم ومن مشاركتهم في هذه الثورات، وخاصة في البدايات، هو نظام بشار الأسد، وهذا مع أن «إخوان» سوريا قد تصرفوا باستثناء بعض النزوات الصغيرة بطريقة معقولة وأكدوا أنهم أقرب إلى الصيغة التركية الأردوغانية من الصيغة «القرضاوية»، وأنهم غير «إخوانهم» في الأردن وفي مصر، الذين كانوا قد تخلوا عنهم في العقدين الأخيرين من الأعوام وانحازوا إلى النظام السوري بحجة أنه نظام «مقاومة وممانعة»، وأنه على خطى إيران الخمينية أو الخامنئية قد احتضن خالد مشعل وحركة المقاومة الإسلامية.
لكن، ومع ذلك، فإن المطلوب بالنسبة لـ«إخوان» سوريا خاصة، أن يظهروا ما يطمئن الأقليات المسيحية والأقليات الأخرى كالعلويين والإسماعيليين والشيعة والدروز على مستقبلهم في هذه البلاد التي هي بلادهم، والذين هم فيها منذ فجر التاريخ، وأن يعلنوا أنهم مع التعددية والديمقراطية ومع الاحتكام إلى صناديق الاقتراع من أجل ضمان مبدأ تداول السلطة ومع القبول بالآخر ومع حق المرأة كعضو فاعل في المجتمع، فالمطلوب هو تبديد كل هذه المخاوف التي يروجها نظام بشار الأسد ومعه بقايا الأعوان العرب، وهو أيضا تبديد مخاوف الغرب المصاب بفزع الـ«إسلاموفوبيا» لكثرة ما تعرض له من ضغط ما بقيت إسرائيل تروجه منذ كارثة سبتمبر عام 2001 وحتى الآن، غير جائز أن يبقى موقف «إخوان» سوريا محاطا بشيء من الضبابية، إن بالنسبة لطبيعة النظام البديل وإن بالنسبة لمشكلة المخاوف التي تساور الأقليات الدينية. فالضرورة تقضي التأكيد على أن مستقبل هذا البلد للسوريين كلهم، وأن الشعب السوري بكل فئاته وألوانه العرقية والدينية والمذهبية هو الذي يختار صيغة نظامه من خلال صناديق الاقتراع وعلى أساس ديمقراطية فعلية وصحيحة.
الشرق الأوسط