“إخوان سوريا”.. منهج التقية حد التأصل وتطبيقه على الذات/ لواء النعساني
يبدو فعل التقية منهجاً يلتزمه تنظيم الإخوان في سوريا، ويمكن فهم تاريخ هذا المنهج بعد أن نص تعديل الدستور السوري بداية الثمانينات – عقب أحداث حلب وحماة الشهيرة – على إعدام من يثبت انتسابه للتنظيم.
يمكن القول إن هذه الأحداث، التي لم تكن أقل عنفاً في مواجهة الحراك المسلح للتنظيم، أوجدت تغيراً ملحوظاً في عمل التنظيم بعد أن كان غضاً من الناحية السياسية. وبتتبع مشهده على مدار 20 عاماً تقريباً، برز التنظيم بعدة صور تناقض حقيقته، منها ما كان أقرب للعلمانية، عندما أطل بثوب “إعلان دمشق” مع انتقال السلطة في سوريا عام 2000.
المسألة الخطيرة هي أن التنظيم استمر بمنهج إظهار غير الحقيقة مع اندلاع الأزمة السورية منذ 3 سنوات تقريباً، واستطاع تشكيل نواة التمثيل السياسي للحراك، وأسس المجلس الوطني السوري المكون منه ومن عدة كيانات صغيرة معظمها مرتبطة بالتنظيم أو تلتزم خطه، وكان دائماً قائد التجمع المنتخب لهذه الكيانات ممن يستحيل الاتباس بأنهم ينتمون لتنظيم الإخوان.
ومع تطور الحراك في سوريا، جاءت خطوة “الائتلاف الوطني” المنبثق عن المجلس الوطني. وأبدى التنظيم دعمه للمجلس، المكون الرئيس، لكنه في حقيقة الأمر دعم الكيان الجديد، الائتلاف، إلى حد فشل المجلس الوطني تماماً على حساب بروز الائتلاف وحيازته على الاعترافات الدولية وبالتالي الشرعية عوضاً عن المجلس. أما الكتل الأخرى، باقي مكونات المجلس أو أصدقاء الإخوان إن صح القول، فقد وجدت نفسها في مركب غارق فاته طوق النجاة.
منهج التنظيم (المراوغ) اشتد عوده بعد اعتزال معاذ الخطيب كرسي رئاسة الائتلاف بداية العام 2013. وكان البديل هذه المرة صورة مغايرة تماماً للحقيقة، وأمام إلحاح الخارج على توحد صفوف المعارضة ومطالب الداخل، كان الانكفاء الكامل لمعظم الكتل الكبيرة والمرشحة في الائتلاف بعد بروز كتل جديدة على إثر التوسعة التي طرأت على الكيان بدعم من تنظيم الإخوان. واللافت أن الإخوان كانت لهم سيطرة واضحة على الكتل الجديدة ونفوذ قوي حتى في كتلة ميشيل كيلو الديمقراطية التي قادت الائتلاف أخيراً لولايتين متتاليتين برئاسة أحمد عاصي الجربا.
يقول أحد المنشقين عن التنظيم: “دخلنا الائتلاف بشخصين تحت اسم الجماعة، هما فاروق طيفور وأحمد سيد يوسف، وبسبع كيانات ملتزمة معنا، هي هيئة حماية المدنيين ومجموعة العمل الوطني والكتلة الوطنية وإعلان دمشق وبثلاث شخصيات بصفة وطنية”. وأضاف في رسالة تم تسريبها إعلامياً: “مارست الجماعة التلاعب السياسي باسم اللعبة السياسية، ببساطة للتهرب من تنفيذ مواقف تم اتخاذها، والعمل بخلاف مواقف تم الإعلان عنها إن تطلب ذلك”.
وتوضح الرسالة أن حسان الهاشمي دخل الائتلاف الوطني بصفته عضواً في مجموعة العمل الوطني، وبعد انضمامه للائتلاف بفترة قصيرة أعلن أنه أصبح رئيس المكتب السياسي لتنظيم الأخوان، دون أن تطالب مجموعة العمل استبداله بعضو آخر، ولم تبدي موقفاً لفقدانها مقعداً ثميناً في الائتلاف.
أشيع في الفترة الأخيرة عن حزب “وعد”، وهو كيان فتي مرتبط بشكل أو بآخر بالإخوان. وبالطبع، فقد أنكر التنظيم عبر الإعلام أي شيء من هذا القبيل، وتقول مصادر إن الحزب انبثق عن “الجماعة التقية”، فدأب على اتباع منهجها ومخالفتها في الهيئة العامة، وبطبيعة الحال، فإنه لم يعد يخفى أن التنظيم قطع أشواطاً مخيفة في إيجاد ذراع عسكرية على الأرض، بالرغم من أنه ينكر حتى اللحظة وجود أي فكر أو إجماع داخلي على وجود عسكري للتنظيم، وانتشرت صور الذراع أخيراً عبر اليوتيوب تحت اسم “وأعدوا”، وهي تحظى بمعسكرات تدريب مجهولة البقعة تشهد إعداداً نفسياً وفكرياً عقائدياً.
التنظيم كان سرياً ويبدو أنه ألف ذلك إلى الحد الذي يجعل منه منافقاَ “بالمعنى الإسلامي”. فهو، بينما يصر على موقفه المعارض لانعقاد مؤتمر جنيف2، يدعم ضمنياً قيادة الائتلاف وموقفها الرامي إلى المشاركة، وبالطبع، فقد يتطلب هذا منه التخلي عن أصدقائه في “الكفاح السياسي”، ولكن يبدو أن التنظيم لم يتردد في ذلك، الأمر الذي بعث روح الفوضى داخل الائتلاف وأحدث انشقاقات حتى بات الكيان مهدداً بعدم البقاء.
لا أستبعد شخصيا أن يكون “وعد” جاهزاً لتسلم مرحلة “كفاح سياسي” مرتقبة للتنظيم، قد تصعد على أنقاض الائتلاف أو على أنقاض الشارع السوري، إن صح التعبير، أو حتى على أنقاض التنظيم نفسه بشكل صوري. فتنظيم الإخوان غير منقطع العمل في هذا الاتجاه، حتى بالتعامل مع عناصره، حيث توحي مسألة الرسالة التي تم تسريبها والمنسوبة لأحد الأعضاء المنشقين، بأن التنظيم تأصل كثيراً في “التقية” حتى طبقه على ذاته، ربما خطأً وربما لقصد قد تُعرف أسبابه لاحقاً.