إخوان سوريا والثورة/ علي العبدالله
استقبلت حركة الإخوان المسلمين ثورة الحرية والكرامة بفتور، فقد كانت تنتظر نتائج وساطة تقوم بها تركيا، التي كانت في شهر عسل مع النظام، بينها وبين النظام السوري، علما أنها كانت قد علّقت معارضتها للنظام “تقديرا لموقفه من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008″، وفق إعلانها، ما رتب خروجها من “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي”، التحقت به بعد تشكيله عام 2005، استمر “التعليق” حتى انطلاق الثورة عام 2011، وكان مراقبها العام الجديد محمد رياض الشقفة قد طلب من تركيا عام 2010 تجديد مسعاها للتوسط مع النظام.
وقد تحركت للالتحاق بالثورة، بعد فشل المحاولات التركية في إقناع النظام بقبول مبدأ الإصلاح وتشكيل حكومة جديدة يشرك “الحركة” فيها.
عقدت “الحركة”، بعد انطلاق الثورة، مؤتمرات لدراسة الموقف ووضع تصور وخطة عمل لتحركها بدءا بمؤتمر بروكسل، عقد في شهر تموز 2011 بحضور 200 شخص، الذي ركزت فيه على التخلص من تبعات المنفى الطويل وتداعياته، كان لها خارج البلاد ثلاثة عقود متصلة، عبر الانخراط في الثورة والقيام بدور فعّال فيها بما يتيح محو الصورة الذهنية التي خلفتها ممارساتها خلال تمردها المسلح في الفترة من 1980 إلى 1982 وانعكاساتها السلبية على المجتمع، والعمل على جسر الهوة بينها وبين المواطنين.
لم يكن طريق التحاق “الحركة” في الثورة مفتوحا أو سهلا فلجأت إلى المناورة والتقدم الحذر عبر تشكيل عشرات الكيانات السياسية والمدنية مثل: الاتحاد الوطني لطلبة سوريا الحرة، رابطة علماء بلاد الشام؛ التيار الديمقراطي الإسلامي المستقل، رابطة علماء سوريا، اتحاد منظمات المجتمع المدني، وهي كتلة من 40 جماعة تنتسب إلى الإخوان، المجلس القبلي لعرب سوريا، مجلس الثورة في حلب وريفها، هيئة حماية المدنيين، جبهة العمل الوطني، جبهة العمل الكردي، صفحة الثورة السورية على الفيسبوك، التي تقرر أسماء الجُمع؛ تجمع حُماة الثورة، الائتلاف الوطني لحماية المدنيين، الجمعية السورية للإغاثة الإنسانية، بقيادة كوادر من “الحركة” (حسن درويش، غسان نجار، محمد فاروق البطل، أحمد رمضان، عبيدة نحاس، حسين عبد الهادي، هيثم رحمة، حمدي عثمان، نذير الحكيم … الخ) للعمل كواجهة بينما تبقى هي في الخلف في انتظار معرفة النتيجة والتيقن من وجود إمكانية فعلية للانخراط المباشر في الثورة، ودفع هذه الكيانات للدعوة إلى تشكيل جسم سياسي لتمثيل الثورة في المحافل الدولية.
حقق التكتيك هدفه باستقبال القسم الأكبر من أحزاب المعارضة التقليدية، وبعض تنسيقيات الثوار، الدعوة بايجابية وموافقتها على المشاركة في الحوار حول الفكرة، الذي تمخض عنه تشكيل “المجلس الوطني السوري” والإعلان عنه يوم 2/10/2011، وبتحقيق السيطرة فيه بامتلاك أكثرية مريحة في مؤسساته توفر لها حسم أي عملية تصويت بأصوات كيانات الواجهة.
اعتبرت قيادة “الحركة” مشاركتها العلنية في “المجلس الوطني السوري” بداية ونجاحها في السيطرة على مؤسساته عبر كيانات الواجهة تاليا، بالإضافة إلى الزخم الذي وفره لها نجاح الحركة الأم في مصر في الانتخابات النيابية والرئاسية، ومباركة واشنطن لدور سياسي لحركات الإخوان المسلمين في دول الربيع العربي: مصر وتونس وليبيا، والدعم الكبير الذي تتلقاه من دول حليفة(تركيا وقطر) فرصة لتحقيق القفزة الكبرى بالهيمنة على الثورة وتوجيهها وفق تصوراتها وخياراتها. وهذا استدعى التحرك نحو الداخل لكسب موطئ قدم وتأمين حضور ودور مباشرين بحيث تتمكن من الإمساك بدفة قيادة الحراك الثوري.
وقد وجدت ضالتها في “هيئة الإغاثة”، التي تم تشكيلها كمؤسسة من مؤسسات “المجلس الوطني السوري” لمساعدة المواطنين على مواجهة تبعات البطش والتدمير الذي يقوم به النظام ضدهم بجبر أضرارهم ودعم صمودهم، تمنحها فرصة التواصل مع المؤسسات الاغاثية في الداخل وتوظيفها في تحسين صورة “الحركة” لدى المواطنين، فدخلت بثقلها، مع تحريك أذرعها(كيانات الواجهة) داخل مؤسسات “المجلس”، وحققت غايتها بالانفراد في السيطرة على “الهيئة”. وهكذا غدت “هيئة الإغاثة” حصان طروادة لاختراق المدن والبلدات والقرى السورية ومدخلا لكسب محازبين وأنصار فيها.
مع بدء عسكرة الثورة، وتكرّسها بتشكيل كتائب الجيش السوري الحر، وتحوّلها إلى “فرس الرهان” في إسقاط النظام وظّفت “الحركة” شبكة العلاقات التي أقامتها مع المواطنين من خلال عملها في “هيئة الإغاثة”، واستغلت إمكانيات “الهيئة” العتيدة(الأموال والسلال الغذائية) في تجنيد المواطنين في كتائب بدأت بتأسيسها تحت مسميات مميزة تحتوي كل تسمية على مفردة “درع” مثل: لواء درع شباب محمد – لواء درع الصديق – لواء درع حماة – لواء درع أفاميا – لواء درع الإخلاص – كتائب درع الحق – لواء درع سرايا النصر في محافظة حماة. ولواء درع أحرار حمص – درع الوفاء – لواء درع حلب الشهباء – لواء درع الحرية في محافظة حمص. لواء درع الشام – لواء درع العاصمة – لواء درع العدالة – درع سرايا علماء الشام – كتيبة درع الفاروق في محافظتي دمشق وريفها. لواء درع هنانو ـ لواء درع الجبل ـ لواء درع الصاعقة ـ لواء درع خان شيخون ـ لواء درع إدلب ـ لواء درع الصحابة ـ لواء درع الحرية ـ لواء درع الإيمان ـ درع سرايا علماء الشام ـ لواء درع فرسان الحق ـ لواء درع أبو بكر الصديق ـ لواء درع سهام الحق ـ لواء درع العاصي ـ لواء درع ثوار إدلب ـ لواء درع التوحيد ـ لواء درع الجزيرة ـ كتيبة درع أحرار 15 آذار في محافظة إدلب. وشكلت “هيئة دروع الثورة” لتنسيق العمل بينها، كما شكلت إطارا عسكريا آخر تحت اسم “هيئة حماية المدنيين”.
كل هذا وهي تتقمص دور “العفيف” و “القنوع” الذي لا يزاحم على موقع أو منصب أو مكسب مادي، وفق تصريحات قادتها وكوادرها الرئيسة. قال الأستاذ عمر عبد العزيز مشوح (عضو قيادة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وفق تعريفه لنفسه) في مقالة له تحت عنوان: “إخوان سوريا.. أربع إستراتيجيات لإعادة التموضع” نشرها على موقع الجزيرة نت يوم 6/12/2016، قال:”عملت الجماعة في المجال السياسي على تفعيل مبدأ المشاركة لا المغالبة مع الأطياف الوطنية والثورية والإسلامية المشاركة في الثورة، والابتعاد عن أسلوب الهيمنة على أي كيان سياسي، بل كانت الإستراتيجية المعتمدة لدى الجماعة أن تتعاون وتتشارك مع الجميع من أجل إنجاح العمل السياسي الذي يحقق أهداف الثورة.” وذهب بعيدا في ادعاء “البراءة” و “الغيرية” حيث قال:”اتخذت الجماعة قرارا بعدم تبني أي فصيل عسكري خاص بها، وكانت الإستراتيجية المعتمدة تقوم على دعم فصائل الجيش الحر بحدود إمكانيات الجماعة والوقوف من الجميع مسافة واحدة، وكانت فلسفة الجماعة وقتها أنه لا داعي لفصيل خاص بها حتى لا تتأذى الثورة ويتم احتسابها على الإخوان فقط، بينما هي ثورة شعب”، علما أن بعض قادة “الحركة” قد أعلنوا، دون حرج أو تأنيب ضمير، “إن الثورة الحالية امتداد لثورة الثمانينيات”، وعاد ليناقض نفسه بقوله:”في نفس الوقت كانت الأطراف الإقليمية والدولية تعمل بشكل سري وعلني لمنع أي وجود عسكري مؤثر للجماعة، لأنهم يعتقدون أن من لديه القوة على الأرض هو صاحب القرار الميداني والسياسي، وأيضا صاحب الكلمة الأقوى في مستقبل سوريا، وهم يعلمون جيدا أن الجماعة بإمكانها أن ترتب الميدان بطريقة فاعلة لو أتيحت لها الفرصة في ذلك”. وراح يبرئ “الحركة” من المسؤولية عما آلت إليه أوضاع الثورة قائلا:”إن الجماعة بتاريخها الجهادي والعسكري ضد النظام في ثورة الثمانينيات، كانت هي الطرف المؤهل الذي يحق له المشاركة بفعالية في هذا المجال دون تردد أو خوف، ولكن تحرك الدول الإقليمية والدولية لمنع أي وجود وتأثير عسكري للجماعة في الثورة هو الذي أوصل الأمور إلى ما هي عليه الآن”.
المدن