إستنحروه مستر هيغ!/ راجح الخوري
لو لم يكن الطبيب عباس خان يحمل الجنسية البريطانية، لكان مجرد رقم آخر بين الـ147 قتيلاً الذين مزقتهم اول من امس القنابل البرميلية التي تدمر حلب، ولم تكن بريطانيا لتحس او تستنكر او تعترض، ربما لأن القتل في سوريا بات في نظرها ونظر من فصلوا انفسهم “اصدقاء الشعب السوري” من طبيعة الحياة بعدما تجاوز عدد الضحايا الـ150 الفاً.
عباس خان كان يعمل جرّاحاً متطوعاً في حلب منذ العام الماضي، لكن السلطات السورية اعتقلته بتهمة “دخول البلاد بطريقة غير مشروعة والقيام بنشاطات غير مسموحة”، وبعدما تدخلت الحكومة البريطانية مراراً وعد بشار الاسد باطلاقه قبل عيد الميلاد.
وتم الترتيب لإطلاقه وفق سيناريو دعائي رخيص، اذ كان يفترض ان يصل النائب البريطاني جورج غالاوي [المستعرب والراقص على القبور العربية منذ ايام صدام حسين والذي طالما ابدى تأييده للنظام السوري] الى دمشق لمرافقة خان وسط حملة دعائية تشيد بانسانية الاسد الذي افرج عنه باهتمام شخصي!
الطبيب المغدور كان يعلم انه سيتم اطلاقه، ففي آخر رسالة الى عائلته قال “انا متشوّق لرؤيتكم جميعاً”، لكن وزارة الخارجية السورية اصدرت بياناً يقول ان الطبيب “توفي اثناء احتجازه وان سبب الوفاة كان الاختناق بالشنق، وان عملية الشنق كانت ذاتية أي انه انتحر”… طبعاً هذا يعني انهم استنحروه كالعادة!
المثير ان تنفجر هذه الجريمة بعد أيام من اجتماع وفد من المعارضة السورية مع لجنة “أصدقاء سوريا” في لندن، حيث تردد ان وزير الخارجية وليم هيغ ابلغ الوفد انه “لا يمكن السماح برحيل الاسد الآن لأن الفوضى والمسلحين الاسلاميين سيسيطرون على سوريا”، ولكأن النظام الذي يغتال طبيباً متطوعاً في سجنه، ليس صانعاً للفوضى او أقل ارهاباً من الارهابيين!
لست ادري لماذا يتوارى وليم هيغ عن قضية اغتيال الطبيب البريطاني، ليطل وزير الدولة للشؤون الخارجية هيوغ روبرتسون، ويتهم السلطات السورية بانها اغتالت الطبيب الذي تطوع لمساعدة الشعب السوري، ثم ليطلب ايضاحات عاجلة، لن يحصل عليها طبعاً!
صحيفة “الانديبندنت” عنونت: “صدمة وعدم تصديق وقتل دلالة على ان الاسد فقد السيطرة. فاذا كانت هذه الصدمة ناتجة تحديداً من فقدان الاسد السيطرة، فان ذلك يشكل مسخرة او اكتشافاً متأخراً جداً، لأنه فقدها منذ زمن بعيد لمصلحة الذين ينخرطون في الحرب معه.
لكن ما هو اهم من فقدان السيطرة ان عباس خان فقد الحياة يوم كانت القنابل البرميلية تفقد الحياة أيضاً لأكثر من 147 سورياً وفي حلب، التي اختارها الطبيب المغدور لتقديم المساعدة التطوعية الى المصابين.
والسؤال: هل “اصدقاء سوريا” هم الذين يفقدون السيطرة… والاخلاق؟!
النهار