صفحات العالم

إسلاموفوبيا روسيا العظمى


    سناء الجاك

يتلمس زائر موسكو هواجس جدية حيال ارتفاع عدد المسلمين الروس مع توقعات بأن يصبحوا الغالبية السكانية بعد 50 عاماً. يعزز هذه الهواجس وصول الإسلاميين إلى السلطة في دول الربيع العربي، وتأثير ذلك في الجمهوريات الإسلامية الخمس التي تطوّق روسيا، وتداعيات “حكم السنّة” الذي حذر منه وزير الخارجية سيرغي لافروف، على الداخل الروسي بأقليته الاسلامية الكبرى التي تقدر حالياً  بـ20 في المئة من الشعب الروسي، اضافة الى أقلية كبرى غير روسية قوامها اليد العاملة القادمة من آسيا الوسطى.

المسألة الاسلامية في موسكو تشي بها همسات البائعات في متاجر وسط العاصمة القديم، “اربات ستريت”. هناك، مفتاح الكلام سؤال بريء في ظاهره، يبدأ بـ”من أين انت؟” ويُستكمل بعد معرفة هويتي اللبنانية بـ”هل أنت مسلمة؟”. مع الجواب تتغير أسارير البائعات الآتيات في معظمهن من دول آسيا الوسطى بحثاً عن ظروف لائقة للحياة، فينبسطن ويفتحن باب الحوار.

يستعيد أحد الزملاء العرب ما يشي بتحريض مباشر على الاسلام على لسان رئيس الحزب الليبيرالي الديموقراطي الروسي فلاديمير جينوفسكي الذي قال علناً: “لا ارغب ان يتكلم احفادي لغة غير اللغة الروسية”، في اشارة الى جمهوريات اسيا الوسطى الاسلامية. في المقابل، يجد زميل روسي منبتاً منطقياً لقلق دولته انطلاقاً من معلومات تفيد ان “كل الارهاب في الشيشان وغيرها جاء من اشخاص درسوا في الازهر”.

قبل ايجاد التقاطعات بين كلام “الشوارع” و”المكاتب” في موسكو، يبقى نصب الأعين ان الدب الروسي العريق يجيد التعامل مع كل ازماته وهمومه وهواجسه بخصوصية يعكسها مثل محلي مفاده ان “ليس هناك طقس سيئ… هناك ملابس سيئة”.

“الطقس” قد يرمز الى النظام في سوريا مثلاً، اما الملابس السيئة فقد تكون “المجموعات الارهابية” كما تسميها الادارة الروسية وتنسب اليها كل عورات المشكلة، وتضيف اليها التظاهرات الاستفزازية لمعارضي النظام. هكذا لا بد من الإقرار بأن كل شيء في موسكو ينبه الى خطر الانزلاق اثناء السير على جليد السياسة، ذلك ان كرة الثلج التي تكبر في كل مكان من العالم وتنفجر أزمات مستعصية، تتكسر بالمفهوم الروسي على رؤوس الغافلين عن “التكتكة الباردة”، حديثة أكانت أم سوفياتية أم مستوحاة من عصر القياصرة، لا سيما رؤوس اولئك الذين يفكرون ان التعامل بنفس قصير مع مواقف المسؤولين الروس، يمكن ان يؤدي الى أهداف أصحابها.

وجدت روسيا في الملف السوري فرصة لدحر “المؤامرة” ووضع حد  للاستهتار الاميركي بمكانتها، فالمسؤولون الروس يستعيدون بغيظ الاملاء والاستعلاء والاستخفاف، وكلها حالات كانت عرفتها الدولة الطالعة من النظام السوفياتي عندما كان الخطاب الرسمي الاميركي يبدأ بـ”على روسيا ان تفعل كذا وكذا”، ليتراجع نفوذ “المندوب السامي الاميركي” مع وصول فلاديمير بوتين الى الحكم.  وفي حين يجد بعض المسؤولين والباحثين ان روسيا ارغمت المجتمع الدولي على القبول بشروطها في القضية السورية للحؤول دون وصول الاسلاميين الى الحكم، ودون خسارتها موطئ قدمها الوحيد في الشرق الاوسط، يرفض البعض الآخر تصوير ما يحصل على انه انتصار، ويؤكدون ان “العين لا تعلو الحاجب” و”العنتريات” الروسية لفظية فقط في لعبة “عض الاصابع”، ويستشهدون بأن التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وروسيا يصل الى 42 مليار دولار، اما التبادل التجاري مع العالم العربي فيبلغ 8 مليارات دولار، ولا لزوم لذريعة الخوف من اي ربيع “اسلامي” مقبل.

يعتقد المسؤولون الروس ان ما يحميهم من المد الاسلامي هو عودة الحرب الباردة التي تمكنهم من التنافس مع الولايات المتحدة لإستعادة موازين القوى. عدّتهم كانت اللعب على أزمة الغرب مع السلاح النووي الايراني حتى جاءتهم “هبة الفيتو”. فالروس يعتبرون ان لا مجال لحفظ مصالحهم الا بالمواجهة والحد من الهجمة الاسلامية المؤثرة في حلم “روسيا العظمى” في ديموغرافيتها واقتصادها، لذا كانت “زلة لسان” لافروف الخائف من “حكم السنّة”، جرس إنذار لا تنفع معه محاولات التخفيف من وقعه.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى